وأخيرا، نذكر من مدارس القاهرة المدرسة المحمودية التي أنشأها الأمير محمود بن علي الأستادار سنة 797، وكانت خارج باب زويلة كما يذكر المقريزي في خططه، كما يقول: «وعمل بها خزانة كتب لا يعرف اليوم بديار مصر ولا الشام مثلها ... وبهذه الخزانة كتب الإسلام من كل فن، وهذه المدرسة من أحسن المدارس في مصر.»
13 •••
وإذا تركنا مصر إلى بلاد الشام، نجد الأمر مثل ذلك أو قريبا منه في هذه الناحية، ولا عجب أن يكون هذا؛ فقد كان هذان القطران الشقيقان بلدا واحدا في ذلك العصر، وقد صار في هذه الأيام التي نعيش فيها بلدا واحدا كما كانا من قبل بفضل الله تعالى.
وكان الفضل الكبير في هذا العصر، في إنشاء هذه المدارس، أو المراكز العلمية الهامة، للسلطان صلاح الدين،
14
ولأبنائه الملوك من بعده، ثم للأمراء ومن إليهم من ذوي الجاه والفضل، ثم تتابع الأمر أيام دولة المماليك الذين عاش في أيامهم ابن تيمية.
والباحث في الكتب التي أشرنا إليها آنفا، وفي أمثالها من المراجع التي أرخت لمصر والشام في القرن السادس والسابع وما بعدهما، يتبين أن مدائن الشام كانت زاخرة بالمدارس والمعاهد العلمية التي كانت مثابة للطلاب والشيوخ، وأنه تخرج ودرس فيها كثير لا يحصون من الفقهاء والعلماء الذين برزوا في فنون العلم وفروعه العديدة المختلفة، حتى الطب والهندسة وما إليهما.
15
ففي دمشق وحدها وجد في القرنين السادس والسابع نحو تسعين مدرسة للفقه بمذاهبه المختلفة، وللتفسير والحديث وغيرهما من العلوم الدينية الإسلامية وعلوم اللغة العربية، وكان منها أربع للطب وحده؛ إذ كان يدرس نظريا في المدارس وعمليا في المارستانات أو المستشفيات بلغتنا الحالية.
وكان لمدينة حلب حظها الموفور من هذه المدارس، فهي ثاني المراكز العلمية في الشام بعد دمشق، كما كانت مثابة للعلماء وإليها يرحلون. وكذلك كان الحال في القدس وحماة وحران وحمص، وغيرها جميعا من بلاد الشام، ففي كل هذه المدن والبلاد كانت مدارس عديدة زاهرة تعج بالعلم وطلابه وشيوخه.
Bog aan la aqoon