ونذكر أخيرا من ملامح هذا العصر الواضحة، ما كان من عداء ملحوظ للفلسفة والمشتغلين بها تعلما وتعليما، وكان السبب القوي لذلك حملة الغزالي عليها وعلى رجالها حملات أصابتها في الصميم ودعت الفيلسوف ابن رشد للرد عليها والانتصاف لها.
3
وحسبنا هنا أن نشير إلى حادث قتل شهاب الدين السهروردي وهو في ميعة الصبا حتى صار معروفا في التاريخ بأنه «الشاب المقتول»، وقد كان كما يقول ابن أبي أصيبعة: «أوحد في العلوم الحكمية، بارعا في الأصول الفقهية، مفرط الذكاء جيد الفطرة»، ولكن الفقهاء شنعوا عليه ورموه بالتفلسف والإلحاد، بعد أن كان ناظرهم في حلب فأفحمهم.
إلا أنهم عملوا محاضر بكفره رفعوها إلى السلطان صلاح الدين بدمشق، وطلبوا منه استئصال الشر بقتله حتى لا ينفث إلحاده بكل بلد يحل فيه، فكان لهم ما أرادوا، وفعلا قتل بأمر السلطان، وكان ذلك بحلب سنة 587، عن ستة وثلاثين عاما.
4
ونجد بعد هذا، فتوى خطيرة تتسم بطابع ذلك العصر، وكان لها أثرها البالغ الذي دام قرونا طويلة، وهي فتوى أبي عمر تقي الدين الشهرزوري المعروف بابن الصلاح المتوفى سنة 643، وقد أصدرها إجابة لمن سأله عن حكم الله فيمن يشتغل بكتب ابن سينا وتصانيفه، فقال له: «من فعل ذلك فقد غدر بدينه وتعرض للفتنة العظمى؛ لأن ابن سينا لم يكن من العلماء، بل كان شيطانا من شياطين الإنس!»
وسئل عمن يشتغل بالمنطق والفلسفة تعليما وتعلما، فقال من كلام طويل: «الفلسفة أس السفه والانحلال، ومادة الحيرة والضلال، ومثار الزيغ والزندقة ... ومن تلبس بها تعليما وتعلما قارنه الخذلان والحرمان، واستحوذ عليه الشيطان ...»
إلى أن يقول: «فالواجب على السلطان أن يدفع عن المسلمين شر هؤلاء المياشيم ... ويعاقب على الاشتغال بفنهم، ويعرض من ظهر منه اعتقاد عقائد الفلاسفة على السيف أو الإسلام، لتخمد نارهم وتمحي آثارهم ...» إلى آخر ما قال.
ونجد شبيها لهذا الرأي في الفلسفة والحكم عليها، في رأي الإمام الذهبي في القرن الثامن، وهذا إذ يقول: «إن الفلسفة الإلهية ما ينظر فيها من يرجى فلاحه، ولا يركن إلى اعتقادها من يلوح نجاحه، فإن هذا العلم في شق، وما جاءت به الرسل في شق. وما دواء هذه العلوم وعلمائها القائمين بها علما وعملا إلا التحريق والإعدام من الوجود؛ إذ الدين كان كاملا حتى عربت هذه الكتب ونظر فيها المسلمون، فلو أعدمت لكان فتحا مبينا.»
5
Bog aan la aqoon