وإنه ليبني ما يراه على أصل هام يجب التنبه إليه، فيه تتميز العقود الواردة على عمل العامل من عقد الإجارة، وهو يقول في هذا ما ينبغي أن نأتي به ولو بشيء من الاختصار؛ إذ يذكر أن العمل ثلاثة أنواع:
أحدها: «أن يكون العمل مقصودا معلوما مقدورا على تسليمه، فهذا عقد الإجارة اللازمة؛ أي العقد اللازم.»
والثاني: «أن يكون العمل مقصودا لكنه مجهول أو غرر فهذه الجعالة، وهي عقد جائز ليس بلازم. فإذا قال: من رد عبدي الآبق فله مائة، فقد يقدر على رده وقد لا يقدر، وقد يرده من مكان قريب أو بعيد ... فمن عمل هذا العمل استحق الجعل وإلا فلا.
ويجوز أن يكون الجعل فيها إذا حصل بالعمل جزءا شائعا ومجهولا جهالة لا تمنع التسليم، مثل أن يقول أمير الغزو: من دل على حصن فله ثلث ما فيه، ويقول أمير السرية التي يسريها لك خمس ما تغنمين أو ربعه ...
ومن هذا الباب إذا جعل للطبيب جعلا على شفاء المريض جاز، كما أخذ أصحاب النبي
صلى الله عليه وسلم
الذين جعل لهم قطيع على شفاء سيد الحي، فرقاه بعضهم حتى برئ فأخذوا القطيع، فإن الجعل كان على الشفاء لا على القراءة.»
وأما النوع الثالث: «فهو ما لا يقصد فيه العمل، بل المقصود المال، وهو المضاربة، فإن رب المال ليس له قصد في نفس عمل العامل، كما للجاعل والمستأجر قصد في عمل العامل؛ ولهذا لو عمل ما عمل ولم يربح شيئا لم يكن له شيء ...
بل هذه (أي عقد المضاربة) مشاركة، هذا ينفع بدنه (أي بعمله) وهذا ينفع ماله، وما قسم الله من الربح كان بينهما على الإشاعة؛ ولهذا لا يجوز أن يخص أحدهما بربح مقدر؛ لأن هذا يخرجهما عن القول الواجب في الشركة ...»
33
Bog aan la aqoon