Ibn Taymiyyah: His Life and Times, Opinions and Jurisprudence
ابن تيمية: حياته وعصره، آراؤه وفقهه
Daabacaha
دار الفكر العربي
ولابد من دراسة هذه النواحي العلمية كلها، وتعرف جولاته فيها، وما خالف فيه أهل عصره، ولا يصح أن يكتفي بناحية عن الأخرى، فلا يصح الاكتفاء بدراسة فقهه، وترك ما أثار من آراء في علم الكلام، فنكون قد أهملنا شطراً كبيراً من حياته، قد لاحى عن رأيه فيه، وبسببه لبث في السجن بضع سنين. ولا يصح أن نكتفي بدراسة مسائل علم الكلام، ونترك فقهه، وهو فقيه عصره الأكبر، وقد وصل بدراساته الفقهية إلى مرتبة الاجتهاد كما ذكر معاصروه، وخالف في كثير من المسائل الأئمة الأربعة، وقد مات في السجن بسبب مخالفته في مسائل في الطلاق وغيرها مما أفتى فيه.
١٣- وإذا اتجهنا إلى دراسته باعتباره فقيهاً من غير إهمال النواحي الأخرى، فإن تعيين مرتبته في الاجتهاد ليست أمراً هيناً ليناً، فإنه بدراسته الأولى كان حنبلياً، ولم يقطع صلته بالمذهب الحنفي قط، وكان يعتبره أمثل المذاهب، لأنه أكثرها اتباعاً للسلف الصالح، ولذلك فضل من البيان، سنذكره في موضعه إن شاء الله تعالى.
ولقد كانت أسرته كلها حنبلية، ولقد أتم عملاً لأبيه وجده في فقه الحنابلة وأصوله، فقد ذكر العلماء في المذهب الحنبلي أن من كتب الأصول في مذهب أحمد مسودة بني تيمية، وهم الشيخ مجد الدين، وولده عبد الحليم، وحفيده شيخ الإسلام تقي الدين، والأخير هو موضع دراستنا.
فكان حنبلياً بنشأته وأسرته وثقافته الفقهية، وميله في دراسته، مع أن له اختيارات من غير مذهب أحمد، بل له اختيارات حلق بها في أفق الكتاب والسنة، وفتاوى الصحابة وأقضيتهم، ووصل فيها إلى نتائج تخالف ما عليه الأئمة أصحاب المذاهب الأربعة، كفتواه في الحلف بالطلاق، وعدم إيقاع الطلاق بها. وكفتواه بأن الطلاق الثلاث بلفظ الثلاث أو في مجلس واحد يقع طلقة واحدة فإنه في هذه المسائل وأشباهها، اجتاز دائرة الاختيار من المذاهب الأربعة إلى الكتاب والسنة وأقوال الصحابة، غير ملتفت إلى ما وراء ذلك.
14