Ibn Taymiyyah: His Life and Times, Opinions and Jurisprudence
ابن تيمية: حياته وعصره، آراؤه وفقهه
Daabacaha
دار الفكر العربي
١١٠- والصفة الرابعة: الاستقلال الفكرى؛ ولعل هذه الصفة هي أبرز الصفات في تكوين علمه وشخصيته العلمية التي جعلت له مزايا خاصة ليست في غيره من العلماء الذين عاصروه، فقد كان في كثيرين منهم فضل من الذكاء والحافظة الواعية؛ ولكن لم يكن منهم من له ذلك الاستقلال الفكري، يدرس كتاب الله وسنة رسوله، وآثار السلف الصالح في أي أمر يعرض له، أو يُسأل عنه، فما يصل إليه يعتنقه ويدعو إليه، لا يهمه أخالفه الناس أم وافقوا، فهو ليس تابعاً لما يجري على ألسنة علماء العصر، وما يعتنقه الناس، بل هو عبد للدليل وحده يسير وراءه، ليس سيقة يسوقه الناس إلى الآراء، بل هو سيقة للدليل وحده، أدته دراساته إلى أن الاستغاثة بالنبي صلى الله عليه وسلم ليس لها دليل من الشرع فأعلنها من غير مواربة، وقد أغضب في هذا السبيل من أغضب من كثيرين، كان يرجى أن يكونوا له أنصاراً، وهو في كل ما يصل إليه مستقل لا هادي له إلا كتاب الله وسنة رسوله وآثار السلف الصالح من الصحابة وكبار التابعين.
وقد قال في بيان استقلاله الفكري أبو حفص المذكور آنفاً أحد تلاميذه: ((كان إذا وضح له الحق يعض عليه بالنواجذ، والله ما رأيت أحداً أشد تعظيماً لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أحرص على اتباعه ونصر ما جاء به - منه، كان إذا أورد شيئاً من حديثه في مسألة ويرى أنه لم ينسخه شيء غيره من حديث يعمل ويقضي ويفتي بمقتضاه، ولا يلتفت إلى قول غيره من المخلوقين كائناً من كان، وإذا نظر المنصف إليه بعين العدل يراه واقفاً مع الكتاب والسنة، لا يميله عنهما قول أحد كائناً من كان، ولا يرقب في الأخذ بمعلومهما أحداً، ولا يخاف في ذلك أميراً، ولا سلطاناً ولا سيفاً، ولا يرجع عنهما لقول أحد، وهو متمسك بالعروة الوثقى (١))).
(١) ص ٢٦٦ من المجموعة التي طبعها الكردي.
99