Wiilkii Suldaanka
ابن السلطان: وقصص أخرى
Noocyada
1964م
الزواج الأبدي
أنا لا أذكر مما حدث شيئا، كل ما أدريه أنني عدت إلى بيتي في قريتنا البعيدة. أكانت عودتي بعد عشر سنين أو بعد عشرين سنة؟ لست أدري؛ فكل ما أذكره أنني عدت إلى بيتي، بعد غربة طويلة. كانت زوجتي قد خانتني مع رجل آخر. وكنت مكدود النفس ممزق الفؤاد، فعدت إلى بيتي، لأرتاح على صدر أمي، لأمزج أنفاسي المشتعلة بالغضب بأنفاسها المعطرة بالمحبة. نعم! عدت إلى بيتي.
كان علي أن أدق الباب دقا عنيفا؛ فقد كنا في عمق الليل، والظلمة من حولي تلف النائمين، البيت، وأهلي والجيران، إلا نباح كلب بعيد، عند طرف القرية الغربي، ونقيق ضفادع تقفز قفز عشواء على شاطئ الترعة القبلية. - مين، مين؟
كان علي أن أكرر قولي «أنا» وأن أرفع من صوتي تماما حتى يعلو، لكأنما كان ينبعث من جوف بئر قديمة. عرفت صوت أمي وهي تكرر السؤال قبل أن تجد الشجاعة على فتح الباب؛ فقد كنا في عمق الليل، والظلمة تلف النوم والنائمين، وعرفت وقع قدميها - كان فيهما قبقاب قديم - وهي تهبط درجات السلم الخشبي، وتحدث من حولها ضجة تكاد أن تؤنس خوفها. وعرفتني أمي، وغيبتني بين أحضانها، وعصرت وجهي بقبلتها الطويلة. أنا أحب أمي، وهي تحبني، كانت تفصل بيننا هوة عميقة من بعد الزمن، فعبرناها. تعانقت روحانا في هذا القرب الجميل، بعد أن غبت عنها عشر سنين أو عشرين سنة. إني لا أذكر تماما.
قالت لي أمي وهي تعطفني إليها، وتتحسس عظام ظهري البارزة بيديها: بالسلامة يا ابني، بالسلامة عدت. - نعم يا أمي، جئت أنشد الراحة.
ومست شعري الأجعد، كأنني طفل صغير، وترقرق صوتها كالماء: لم تتغير كثيرا، لم تتغير.
وتلفت أبحث عن مرآة أرى فيها وجهي، فلم أجد. وهتفت بي: ولكن لم لم تقل لي متى وصلت قريتنا؟ - في قطار الليل يا أمي. - في قطار الليل؟ ولكن كيف، كيف؟ - جئت في قطار الليل الأخير، والساعة الآن هي التاسعة والنصف. انظري. - ألم تلتق بها في طريقك؟ - من؟ إني لم أر أحدا. - ولا على المحطة؟
فأطرقت بوجهي إلى الأرض وأنا أقول: «لم يكن أحد في انتظاري.» وجذبتها من يدها وأنا أتضاحك. لم ألتفت إليها وهي تهمس: ولكنها لم تعد، لم تعد. فقد كنت أدير عيني في وجهها، لم تتغير أمي كثيرا، شعرها ما يزال كما كان، إلا شعيرات بيض تتوجه، ثلوج بيضاء في غير أوانها، وعيناها تبرقان، كما رأيتها في آخر مرة، وإن أصبحتا كشمعتين ساهرتين على جسد ميت، في غرفة مظلمة. وصوتها ما يزال يلمع كالفضة، وإن سرت فيه بحة خافتة و... لكنها تمتمت قائلة: كيف لم تعد إلى الآن؟ كيف لم تعد؟
لم أكن أعرف عمن تتحدث. قلت لها وأنا أتحسس جدران بيتنا: هيا، هيا أريني البيت، حجرة حجرة، لن تغمض عيني قبل أن تراها. لا تغفلي منها شيئا.
Bog aan la aqoon