ولنا بهذا ما لا نعسر به على أنفسنا، فلا نقدم هنا غير الرسم الذي نحكم بأنه أكثر ما يكون وضوحا. وفضلا عن ذلك، فإن شأن هذه القوى المتبادل هو من الدقة بحيث لا يحدد، وهي تقوم معا بإحداث عمل تجريدي ناقص في معطيات الحواس، وذلك من غير تجريدها من المادة تماما، وهذا ما هو خاص بالعقل، وهي تقوم أيضا بجمعها للحواس بنوع من التركيب الخيالي من غير أن يكون شأن الخيال قد جلي تماما، ومن غير أن يكون للخيال في ذلك وجود بين لا التباس فيه، وذلك خلا كونها تحفظ نتائج هذا التجريد وهذا التركيب كما تصنع الذاكرة.
ويمكن أن يبين أن هذه القوى الباطنية أربع، وهي: المصورة، والمفكرة، والوهم، والحافظة أو الذاكرة.
فالمصورة هي خزانة ما تدركه الحواس، وهي تحفظ الصورة المحسوسة، التي تتخلص جزئيا من أحوال الأين، والوضع، والكم، والكيف، وذلك بعد أن ينقطع الشيء المحسوس عن التأثير في الحواس. فالقطرة التي تسقط، والنقطة المشتعلة التي تدور بسرعة تجعلنا نشاهد خطا مستقيما سائلا أو دائرة نار،
11
ولذا فنحن نداوم على رؤية الشيء في مكان عاد لا يكون فيه، وبذلك يوجد حادث حفظ الخيال في الدرجة الأولى من الذاكرة، ومع ذلك فإن شأن المصورة الذاكري أوسع مدى - لا ريب - مما يرى وفق هذا المثال، ففي مكان آخر قال ابن سينا:
12
إن للماء قوة تقبل الخيال، لا حفظه، وتتلقاه الحاسة على هذا الوجه، ولكن لا بد من وجود قوة أخرى لحفظه، وهذه القوة هي المصورة، وإذا ما استعمل من التعابير ما هو أقرب إلى ما بعد الطبيعة
13
يرى أن الصورة المحسوسة عند انتزاعها من المادة التي تحتملها في الحقيقة، لا تزول دفعة، وهذا ما يجعل كل علم مستحيلا إلى الأبد، وإنما تحفظ مجردة من المادة، إن لم يكن هذا من جميع لواحق المادة، وذلك في قوة هي المصورة، وقد سميت هذه القوة في هذا الموضع باسم يدنيها من الخيال (فنطاسيا)،
14
Bog aan la aqoon