15
الصغيرة، والأمر يدور حول البحث في كيف يمكن دخول أبعاد الجسم في أبعاد الخلاء. جاء في «عيون الحكمة»: «إما أن تكون أبعاد الجسم تداخل أبعاد الخلاء، وإما أن لا يكون ذلك، فإن لم يداخلها كان ممانعا فكان ملاء، وهذا خلف؛ فإن داخلها دخل أبعاد في أبعاد، فحصل من اجتماع بعدين متساويين بعد مثل أحدهما، وهذا خلف، والأجسام المحسوسة يمتنع عليها التداخل من حيث يصح أن يتوهم عليها التداخل، وهي الأبعاد، فإنها لأجل أنها أبعاد تتمانع عن التداخل، لا لأنها بيض أو حارة، أو غير ذلك، فالأبعاد لذاتها لا تتداخل، بل يجب أن يكون بعدان أعظم من الواحد، لمجموع وحدتين أكثر من وحدة، وعددين أكثر من عدد، ونقطتين أكثر من نقطة، ليس أكبر من نقطة؛ لأن النقطة لا حصة لها في الكبر والبعد، ولها حصة في الكثرة.»
وهكذا لا بد لوضع الجسم في الخلاء من افتراضنا في الوقت نفسه إمحاء الخلاء، وذلك كما جاء في استنتاج «النجاة»:
16 «إما المتمكن موجود لا في أبعاد الخلاء، وإما الخلاء موجود ولا متمكن فيه.»
وإلى ذلك أضاف ابن سينا قوله: «فبين من هذه الأصول أن الخلاء لا حركة فيه؛ لأنه إذا تحرك فيه شيء فإما أن يداخل بعده بعده، وقد قيل: إن ذلك محال، وإما أن يتحرك بأن يغلبه إذا مانعه بالنفوذ فيه، وقد قيل: إن ذلك محال أيضا، فإذن لا حركة في الخلاء، وكذلك لا سكون فيه.»
ونتيجة جميع البرهان هي: «الخلاء غير موجود أصلا، وهو كاسمه، كما قال المعلم الأول.»
وإنا - بعد أن عنينا بمنهاج هذا النقاش الوجيز العنيف - نرغب في تقدير الأفكار التي يشتمل عليها، فنلاحظ - بلا عناء - أن النقطة المعينة التي تصدم أفكارنا الحاضرة من هذه النظرية هي النقطة التي وكد فيها أن أبعاد الخلاء لا يمكن نفوذها، ففي هذا التوكيد ضرب من مادية مبدأ الاتساع الذي يلقي الحيرة فينا، وعندنا - نحن الذين عادوا لا يتكلمون عن المكان ولا عن الخلاء، بل عن الفضاء والاتساع بلا انقطاع - أن لأبعاد الفضاء تلك الخاصية التي يمكن أن تنضد فيها أبعاد الأجسام المادية.
وعندنا أن من الممكن نفوذ الفضاء جوهريا، وأن الاتساع المادي المرتبط في الأجسام غير ذلك، ولم طرحت السكلاسية هذا المبدأ البالغ الملاءمة عن الفضاء الخالي القابل للنفوذ؟ لا ينبغي أن يكون هذا مقصورا على البراهين العقلية المذكورة آنفا؛ وذلك لأن السكلاسية - كما أعتقد - كانت منهاجا تجريبيا تماما، خلافا لبعض المبتسرات، فلا وجود للفضاء الخالي كما تقضي به المشاهدة التجربية.
ويجد معظم النظريات السابقة تكملته في الطريقة التي تناول بها ابن سينا معضلة اللانهاية المخيفة الأزلية، وكان لهذه المعضلة في هذه الفلسفة عدة وجوه، نعد أهمها ما يأتي: هل يوجد خلاء لا نهاية له؟ وهل يوجد ماض لا نهاية له؟ وهل يمكن تجزئة الأجسام إلا ما لا نهاية له؟ وهل يوجد عدد لا نهاية له؟ إن الحل العام الذي قدم حيال هذه الأسئلة هو: أن اللانهاية غير موجودة بالفعل، وإنما هي موجودة بالقوة.
لقد عرف الفارابي أن يصوغ - بإيجاز مؤثر - الجواب الآتي حول مسألة لانهاية العالم،
Bog aan la aqoon