ومن هذه الجهة دعا الشرع إلى هذه الطريقة، وحث عليها في جملتها حثا على العمل، لا أنها كافية بنفسها كما ظن القوم.
البرهان العقلي على وجود الله
ثم انتقل من الكلام على طريقة المتصوفة إلى طريقة المعتزلة، فقال:
أما المعتزلة، فإنه لم يصل إلينا في هذه الجزيرة من كتبهم شيء نقف منه على طرقهم التي سلكوها في هذا المعنى، ويشبه أن تكون طرقهم من جنس طرق الأشعرية. ... وإذا استقرئ الكتاب العزيز وجدت - أي أدلة وجود الباري - تنحصر في جنسين: أحدهما طريق الوقوف على العناية بالإنسان وخلق جميع الموجودات من أجلها، ولنسم هذه دليل العناية.
والطريقة الثانية ما يظهر من اختراع جواهر الأشياء، مثل اختراع الحياة في الجماد، والإدراكات الحسية والعقل، ولنسم هذه دليل الاختراع.
فأما الطريقة الأولى فتبنى على أصلين: أحدهما أن جميع الموجودات التي هاهنا موافقة لوجود الإنسان، والأصل الثاني أن هذه الموافقة هي ضرورة من قبل فاعل قاصد لذلك مريد؛ إذ ليس يمكن أن تكون هذه الموافقة بالاتفاق. ... فقد بان من هذه الأدلة على وجود الصانع أنها منحصرة في هذين الجنسين: دلالة العناية ودلالة الاختراع، وتبين أن هاتين الطريقتين هما بأعيانهما طريقة الخواص ... وطريقة الجمهور. وإنما الاختلاف بين المعرفتين في التفصيل، أعني أن الجمهور يقتصرون من معرفة العناية والاختراع على ما هو مدرك بالمعرفة الأولى المبنية على علم الحس، وأما العلماء فيزيدون على ما يدرك من هذه الأشياء بالحس ما يدرك بالبرهان، أعني من العناية والاختراع، حتى لقد قال بعض العلماء: إن الذي أدركه العلماء من معرفة أعضاء الإنسان والحيوان هو قريب من كذا وكذا آلاف منفعة.
وإذا كان هذا هكذا، فهذه الطريقة هي الطريقة الشرعية والطبيعية، وهي التي جاءت بها الرسل ونزلت بها الكتب.
والعلماء ليس يفضلون الجمهور في هذين الاستدلالين من قبل الكثرة فقط، بل ومن قبل التعمق في معرفة الشيء الواحد نفسه؛ فإن مثال الجمهور في النظر إلى الموجودات مثالهم في النظر إلى المصنوعات التي ليس عندهم علم بصنعتها ...
المعجزة
أشرنا في الكلام على أثر الفلسفة الرشدية إلى المشابهة بين رأي دافيد هيوم في المعجزة ورأي ابن رشد، وخلاصة رأي دافيد هيوم أن طريقة المعجزة غير طريقة البرهان، وأن الحاسب إذا عرف - مثلا - أن مجموع اثنين واثنين أربعة لا تختلف حسبته؛ لأنه يشهد بعد ذلك خارقة من الخوارق، وأن الجاهل قد يرى الحيلة فتلتبس عليه بالمعجزة.
Bog aan la aqoon