Ibn Rumi: Noloshiisa Suugaantiisa
ابن الرومي: حياته من شعره
Noocyada
فاعد عني وانظر لنفسك دوني
ليس يجزى سواي عما أدين
وسؤال ابن حسان له مغزاه، فما كان له من محل لو أنهم كانوا يصدقون أن الرجل في زمانهم يبطن ما يظهر، ويؤمن بالدين الذين يؤمن به الناس كافة، فكأنما كان المفروض في طائفة من الناس أن يطووا سرائرهم على مذهب غير مذهب الإجماع، وسر في الاعتقاد غير الذي يبدونه علانية من «توحيد ذي الجلال، وتصديق الذي بلغ الرسول».
وليس بعجيب أن يكون الأمر كذلك والعهد عهد الملل والنحل والأحزاب والعصبيات والدعوات والبحث والتفسير ، فما من نحلة كانت ولا شعبة من نحلة إلا كان لها أنصار، ولأنصارها شأن ما في بعض الجهات، ولا سيما العراق ملتقى الأمم، ومشتجر النزاع، ومتوسط الرقعة الإسلامية، ومثابة الحضارات القديمة والحديثة، وما كان أكثرها من نحل، وأشده من لهج بالانتحال! لكأنما كانت بلاد الدولة العباسية معرضا للنحل، ومستبقا للمشاقة بين المنتحلين! ففيه التشيع بدرجاته، والاعتزال بطوائفه، والسنة باختلاف أقوال المجتهدين فيها، والفلسفة بمذاهبها، والعلوم الحديثة بشعابها، وفيه ما بين هذا وذاك أشكال من التدين يجيء بها دخول الفرس والروم والديلم في الإسلام عمدا أو على غير عمد، فبعضهم كان يسلم وهو في الباطن على دين آبائه، وبعضهم كان يخلص في إسلامه، ولكنه ينقل إلى دينه الجديد موروثات دينه القديم، وذلك فضلا عن النصارى واليهود وعباد الأوثان، وكلهم على اختلاف في المذاهب والعصبيات كهذا الاختلاف، فغير مستغرب أن يسأل المرء عن دخيلة رأيه وباطن اعتقاده في هذا المعرض الحاشد بالطوائف والأديان.
إلا أننا لنخطئ أشد الخطأ إذا فهمنا من هذا أن الإباحة حلت محل الدين في تلك الفترة، فتعفى أثره وبطل سلطانه؛ فإن مداراة الآراء التي تخالف الإجماع لا تدل على ذلك، بل لا تدل إلا على نقيض ذلك، والمعهود في أمثال تلك الفترة أنها تقبل الغلو في التدين، كما تقبل الشكوك وتعدد المذاهب، كأن الإحساس بالخطر على العقيدة يحرك بواعث الغيرة عليها، ويزعج النفوس إلى المنافحة عنها، فإذا رأيت الإباحة والترخص في جانب لم تلبث أن ترى الغلو والتشدد في الجانب الآخر، ولا يخفى أن هذا الجانب الآخر والأقوى والأكبر؛ لأنه جانب العادة الخالدة والعدد الأكثر.
وربما لاح للناس أنهم نبذوا الدين، فما يشعرون إلا وهم يلبون دعواته، ويتعصبون لأهله، ويظنون في أنفسهم أنهم غير متدينين! ولقد كان مع الترخص في إباحة اللذات أناس غالون في النهي عنها يثورون على أصحابها في الحين بعد الحين؛ ليقوموا المنكر باليد واللسان. ومن هؤلاء فئة ببغداد خرجت بعيد مولد ابن الرومي تهجم على البيوت، فتريق الخمر، وتضرب القيان، وتكسر العيدان، وكان ينادى في بغداد قبيل وفاته - أي في سنة تسع وسبعين ومائتين: «ألا يقعد على الطريق ولا في المسجد الجامع قاص، ولا منجم، ولا زاجر.» وحلف الوراقون ألا يبيعوا كتب الكلام والجدل والفلسفة.
بل كان ابن الرومي إذا ذكر الخمر في مديح أمير أسرع فاستدرك قائلا: إنها الشراب الحلال لا الشراب الحرام:
لا المدام الحرام لكن حلال
سؤر نار يحثها طابخان
شارك الخمر في اسمها ليس إلا
Bog aan la aqoon