Ibn Rumi: Noloshiisa Suugaantiisa
ابن الرومي: حياته من شعره
Noocyada
ونبوءة أبيه ورجاؤه في مستقبله وقوله له: «أنت للشرف.» أيذهب هذا كله هباء لا يقبض منه اليدين على شيء؟ تلك النبوءات التي تنطبع على أفئدة الصغار بمثل النار، ولا تزال غرارة الطفولة وأحلام الصبا تزخرفها وتوشيها، وتعمق في الضمير أغوارها، أيأتي الشباب وهي محو، لغو مطموس لا يبين، أو لا يبين منه إلا ما ينقلب إلى الأضداد، وتترجمه الأيام بالسقم والفقر والكساد؟ وكيف يمحى إلا وقد محي القلب الذي طبعت فيه؟ وكيف ينعكس معناه إلا وقد انعكس في القلب كل قائم، والتوى فيه كل قويم؟ ذلك صعب على النفوس وليس بالسهل إلا على من يلهو به وهو بعيد.
وهكذا كان ابن الرومي يسأل نفسه مرة بعد مرة ويوما بعد يوم:
ما لي أسل من القراب وأغمد
لم لا أجرد والسيوف تجرد؟
لم لا أجرب في الضرائب مرة؟
يا للرجال! وإنني لمهند!
ولا يدري كيف يجيب نفسه على سؤاله؛ لأنه لم يكن يدري أن فضائله كلها لا تساوي فتيلا بغير الحيلة والعلم بأساليب الدخول بين الناس، وأن الحيلة وحدها قد تغني عن فضائله جميعا ولو كان صاحبها لا ينظم شعرا، ولا ينظر في كتب الفلسفة والرواية والنجوم ...
حسن! إذن ندع الوزارة والولاية والعمالة بعد يأس مضيض يسهل علينا هنا أن نسطره في كلمة عابرة، ولكنه لا يسهل على من يعالجه، ويشقى بمحنته في كل ساعة من ساعات حياته، ندع الوزارة والولاية والعمالة، ونقنع بالمثوبة من الوزراء والولاة والعمال إن كانوا يثيبون المادحين، فهل تراهم يفعلون؟
لا؛ لأن الحيلة لازمة في استدرار الجوائز والمثوبات لزومها في كل غرض من أغراض المعاش، ولا سيما في ذلك الزمان الذي شاعت فيه الفتن والسعايات، وما كانت تنقضي منه سنة واحدة بغير مكيدة خبيثة تودي بحياة خليفة أو أمير أو وزير، وربما كانت مصانعة الحجاب، والتماس مواقع الهوى من نفوس الحاشية والندمان، واللعب بمغامز النفوس الخفية، وإضحاك هؤلاء وهؤلاء أجدى على الشاعر في هذا الباب من بلاغة شعره، وغزارة علمه، وربما كان الوزير لا يثيب الشاعر إلا ليستصلحه، كما كانوا يقولون في لغة ذلك الزمان؛ أي ليتخذه نصيرا له عسى أن ينفعه يوما في مجالس الخلفاء والأمراء بكلمة يقضي بها مأربا، أو يكبت عدوا، أو بحيلة يقرب بها بعيدا، أو يبعد قريبا، وأين يذهب ابن الرومي في هذا المجال؟ وماذا يرجو الممدوحون من تقريبه وهو رجل - كما كانوا يقولون - ممرور موسوس أدبه أكبر من عقله، ولسانه أطول من صبره؟ لقد كان صاحبنا صفرا من هذه البضاعة، فلا جرم نراه يشكو تكبر الحجاب، ودسائس الندماء والأصحاب، ويعطى القليل حين يجزل عطاء الآخرين، أو يثاب مرة ويحرم مرات؛ فقد بلغ من وكس حاله في هذا أنه كان يستجدي الكساء فيمطلونه، ويعود إلى الاستجداء فيعودون إلى المطل حتى يقول:
جعلت فداك لم أسأل
Bog aan la aqoon