مضت ثلاث ساعات فطلعت الشمس فوق جبال الأردن الجرد؛ فكشفت للكهنة والحرس عما تعودوا أن يروه كل يوم من المناظر، ومن ذلك منظر التلال الباردة الجافية الخضر الصفر العاطلة من الماء والشجر، والمحيطة بالمدينة الكبيرة البيضاء، التي يخيل إلى الناظر اختلاط الصخر بأسوارها؛ فلم تكن بالحقيقة سوى قلعة طبيعية، فلم يصنع الإنسان في هذه القلعة غير تحويل حجارتها إلى متاريس، وتلالها الخمسة إلى أسوار، فأسفر ذلك في مجموعه عن قيام تلك المدينة بينها.
يسوع وصيادو السمك.
وقديما مهد الملك سليمان التل الذي أقيم عليه الهيكل الأول وسواه، ثم أقيم عليه الهيكل الثاني بعد إسارة بابل. وفي هذا التل تبصر أولئك الكهنة والحرس، ويقع في جنوبه الغربي تل آخر يوصل إليه بجسر، فيبدو أعلى من ذلك وأجمل. وعلى هذا التل الذي يدعى بجبل صهيون شاد الملك داود صرحه في أيام سعادة ولت، فيأمل اليهود عودتها. وعلى جبل صهيون هذا بنى الأغنياء بيوتهم، فكان حيا لهم. وفي الأمام من جهة الشمال، قامت قلعة أنطونيا الرومانية البغيضة على الربوة التي اعتصم بها المكابيون، عندما ثار إسرائيل على عبدة الأصنام قبل ذلك بمائتي سنة. وخلف تلك القلعة من جهة الشمال مستنقع لم يقم به غير الفقراء؛ ومن ثم ترى أن من يملك تلك القلعة يسيطر على الهيكل، والمداخل، وعاصمة أولئك القوم المشاغبين وجنوب ذلك البلد الضيق الواقع بين الصحراء والبحر المتوسط، فيمكن اجتيابه في قليل زمن. •••
أفاق الناس في الأحياء المكتظة الواقعة في سفوح الجبال، فدبت الحياة في شوارعها الضيقة، ورددت جدرها صدى أصوات الباعة، وأخذت تعج بألوف الغرباء ما اقترب عيد الفصح، وبدأت الفنادق والحظائر تغص بالناس والجمال، وصار التجار والصناع والسكافون والخياطون والحلاقون والبقالون وكاتبو العرائض يصيحون، ويسيرون، ويدفعون دوابهم من سوق إلى سوق عارضين سلعهم وأعمالهم؛ طلبا للزبن.
ويتوجه الناس في تلك الأثناء إلى تل الهيكل، وإن كان ما يقع اليوم لا يختلف عما يقع عادة، ويقوم هذا الهيكل على أرض مربعة يبلغ كل ضلع منها خمسمائة ذراع، ويحيط بجدره ثلاثة أرصفة منضدة رائعة. وإلى هذه الأرصفة يسير الجمهور بغية مجاوزة أدنى القناطر، والالتقاء في فناء الغرباء. وفي هذا الفناء ألواح ذات كتابات باللغتين اللاتينية واليونانية يحذر الكافرون فيها من دخول الرصيف الثاني، الذي يرقى إليه بتسع عشرة درجة فاصلة بين الإيمان والكفران. والكافرون يعلمون من تلك الألواح أن القتل جزاء من يصعد في تلك الدرج.
ذلك حد لا يقدر على تعديه أحد من الرومان الغالبين واليونان المثرين، ولا من البابليين والعرب الذين كانوا من الأعداء، فتم لهم السلطان على تلك المدينة في غابر الأزمان، ولا ممن ليسوا على الإيمان الصحيح.
واليهودي - مهما يكن تربه
6 - ينتفخ غرورا وتكبرا حينما يرتقي في تلك الدرج التسع عشرة المؤدية إلى الرصيف الثاني، فيقف على الساحة الواقعة بين الجدر والعمد ناظرا إلى ما فوقه، فإذا ما تقدم اثنتي عشرة خطوة بلغ الهيكل الحقيقي حيث قدس الأقداس.
7
ترى الجمع منتظرا، ويغادر الكهنة حجراتهم، ويوزعون أعمال يومهم بينهم بالقرعة، فيلزم أحدهم بإحضار قربان الصباح، ويلزم آخر بجلب الحطب إلى الهيكل، ويلزم ثالث برفع الرماد منه، والعناية بالبخور، وأمور النور، وخبز التقدمة والآنية، فإذا أعد كل شيء سيق الكبش إلى المذبح، وأخذ كل مرتل مكانه، وهيئت الأجران، وفتح الباب الكبير، ونقر في النواقير
Bog aan la aqoon