ظل يهوذا في المدينة، وذهب ليخبر الخفراء.
الفصل الخامس
الآلام
عاد يسوع وصحبه إلى جبل الزيتون في ساعة متأخرة من الليل، وكانت السماء صافية، والهواء رطيبا، ويصل إليهم ضجيج المدينة المعيدة فلا يسمعونها ما تذكروا صامتين كلام المعلم.
ويبدو أنه تحول، أفنشأ هذا عن طراوة الهواء؟ أم عما رآه من تواري يهوذا؟ أم عن شعوره باقتراب الخطر؟ لا مراء في أن النشاط دب فيه منذ خروجه من المدينة، فأخذت تساوره عوامل الكفاح والنضال، ومن المحتمل أن فكر في الفرار ما خاطب تلاميذه بقوله: «حين أرسلتكم بلا كيس ولا مزود ولا أحذية، هل أعوزكم شيء؟»
فقالوا: «لا.»
فقال لهم: «من له كيس فليأخذه ومزود كذلك، ومن ليس له فليبع ثوبه ويشتر سيفا.»
ويجفل التلاميذ عند سماع ذلك كما لو أخذوا متلبسين بجرم ، ولا سيما أن بعضهم كان قد فكر في القتال وما يتطلبه القتال من السلاح، فتشجع اثنان منهم فجازفا بإظهار سلاحيهما فقالا: «ها هو ذا هنا سيفان!» ويتكمش عند رؤيته هذه الأسلحة الضعيفة؛ وذلك على حسب عادته عند مواجهة الحقائق، مقدرا بطلان المقاومة؛ لتمثله مناقضة الروح للقوة، ولمقابلته بين الله والعالم، فيعدل عن رأيه في بضع ثوان، فيكتفي هادئا بقوله المبهم: «يكفي!»
ويواثبه تفكيره بدنو أجله، ويحاول بين حين وحين أن يلطف وقعه في نفسه على ضوء التوراة، ويقول لتلاميذه كمن يريد امتحانهم: «كلكم تشكون في هذه الليلة؛ لأنه مكتوب أني أضرب الراعي فتتبدد خراف الرعية.»
ويقاطعه بطرس بحماسة كما في قيصرية فيلبس فيقول: «إن شك فيك الجميع فأنا لا أشك أبدا.» فينظر يسوع إلى بطرس مغتما ما عرف تقلبه وتقلب أصحابه فيقول: «إنك في هذه الليلة قبل أن يصيح ديك تنكرني ثلاث مرات.»
Bog aan la aqoon