بهت الحاضرون، ولم يسطع أحد منهم أن يعرب للمعلم عن سروره بالهتاف، فقالوا: «ما رأينا مثل هذا قط!» وأما الفريسيون فعادوا إلى بيوتهم، ورفعوا أيديهم إلى السماء قائلين: إنه جدف
12
على الله! إنه غفر الذنوب! إنه يستحق القتل!
لم يجرؤ الفريسيون على الجهر بذلك؛ فالجمهور محب له، وهو في بلاد الجليل المضطربة بعيد من العاصمة، فلا يسهل القبض على مثله فيها، ثم تمخضت أذهانهم عن زعمهم لزمن محدود أن يسوع يغري النساء بالتحول عن واجباتهم المنزلية، فرأى يسوع أن يسير على خلاف ما توحيه إليه طبيعته بأن يدافع عن نفسه مهاجما، فضرب مثلا رجلين: أحدهما عشار، والآخر فريسي صعدا إلى الهيكل ليصليا. أما الفريسي فوقف يصلي في نفسه هكذا: «اللهم أنا أشكرك، إني لست مثل باقي الناس الخاطفين الظالمين الزناة، ولا مثل هذا العشار. أصوم مرتين في الأسبوع، وأعشر كل ما أقتنيه.» وأما العشار فوقف من بعيد لا يشاء أن يرفع عينيه نحو السماء، بل قرع على صدره قائلا: «اللهم ارحمني أنا الخاطئ.» فعند ذلك فرغ صبر السامعين ليروا خاتمة المثل ، وهل يكون دفاعا عن المذنب؛ فاسمع قول يسوع: «أقول لكم: إن هذا نزل إلى بيته مبررا دون ذلك؛ لأن كل من يرفع نفسه يتضع، ومن يضع نفسه يرتفع.»
ولم يعتم يسوع الناصري أن عرف أنه عدو للكتبة، ولم يعتم يسوع الناصري أن عرف أمره في أورشليم لدى المجمع الكبير المعروف بالسنهدريم، كما أخبره به وكلاؤه المنبثون في بلاد الرب ليراقبوا أقوال المبدعين وأعمالهم، فقال هذا المجمع: «تعقبوه! تصيدوه!» فدعاه أحد الفريسيين إلى تناول الغداء في بيته، فلبى يسوع دعوته، وإن الآكلين لجالسون حول المائدة؛ إذ فتح الباب فدخلت البيت فتاة حسناء بغي كانت قد سمعت عن محبة يسوع الرحيم للآثمين، وكيف تدنو منه؟ فهي إذا ما اقتربت منه عند وجوده بين الجمهور سخر الناس منها فلم يدعوها تمر، فهي ترصدت لذلك وجوده في بيت ريفي يقل فيه الناس لتدخل عليه، وقد فكرت في أي الأمور تفعل لتروقه، فلم يخطر ببالها سوى العطور التي تدهن بها بدنها لإغواء الفاسقين.
والآن ترى يسوع حول المائدة، فقرأت في ناظريه من الرأفة ما لم تجده في عيون الآخرين القاسية، فاضطربت ورمت نفسها على قدميه الحافيتين باكية، فبللتهما بدموعها، فنظر إليها الجميع بصمت، فبدت باحثة عن نسيج، فلم ينهض أحد لمساعدتها على ذلك، فوجدت شعرها الذي كانت تغوي الناس به، فطفقت تمسح به قدميه منتحبة مقبلة لهما بلهف، ثم بدأت تدهن رجليه بيديها المرتجفتين مما في زجاجتها، خافضة البصر غير مجترئة على النظر إلى وجهه.
قال صاحب البيت في نفسه ساخطا: «لو كان هذا نبيا لعلم من هذه المرأة التي تلمسه وما هي. إنها خاطئة.»
فعلم يسوع ما دار في خلده فقال بصوت عال: «يا سمعان، عندي شيء أقوله لك!»
سمعان : «قل يا معلم!»
يسوع : «كان لمداين مدينان، على الواحد خمسمائة دينار، وعلى الآخر خمسون، وإذ لم يكن لهما ما يوفيان سامحهما جميعا، فقل أيهما يكون أكثر حبا له؟»
Bog aan la aqoon