Ibn Hazm: His Life, Era, Views, and Jurisprudence
ابن حزم حياته و عصره آراؤه وفقهه
Daabacaha
دار الفكر العربي
Goobta Daabacaadda
القاهرة
(الأمر الثاني) أن ابن حزم عاين هذه الأمور فأثرت في نفسه تأثيرات متشعبة النواحي، أولها - شعور الألم والحزن على قرطبة؛ التي كانت فردوس الأندلس ونور المعرفة فيها، ولقد سجل ذلك الألم في رسالته؛ فقد ذكر قصور أسرته عندما استخبر خبرها بعد ذلك الخراب فقال:
((ولقد أخبرني بعض الرواة من قرطبة، وقد استخبرته عنها أنه رأى دورنا ببلاط مغيث في الجانب الغربي منها، وقد امحت رسومها وطمست أعلامها، وخفيت معاهدها، وغيرها البلى، وصارت صحارى مجدبة بعد العمران، وفيافي موحشة بعد الأنس، وخرائب منقطعة بعد الحسن، وشعاباً مفزعة بعد الأمن ومأوى للذئاب، ومعازف للغيلان، وملاعب للجان، ومكامن للوحوش بعد رجال كالليوث)) (١).
ثانيها - أنه رأى استفحال أمر النصارى، وضعف أمر المسلمين، وهو المؤمن التقي، والعالم الحدث، الذي يرى أن العزة لله ولرسوله؛ وللمؤمنين، وقد رأى أن سبب ذلك هو اضطراب حبل الأمور وتفرق الكلمة، وذهاب الوحدة وأن علاج الأمر هو وجود شخصية تجمع المتفرق، وتلم الشعث، وتلتقي - ولها القلوب، وقد رأى أن أهل الأندلس لم يجتمعوا إلا على بني أمية، وأن البربر هم الذين خربوا البلاد من قبل ومن بعد، فتزعت نفسه إليهم، وله بهم من قبل صلة وولاء.
ثالثها - أن ابن حزم من أسرة لها في السياسة شأن، فأحس في نفسه أن عليه واجباً نحو دينه وقومه هو أن يحمل العبء، وأن يترك الدرس، ولو إلى حين، فتقدم لذلك، ولما ظهر أحد الصالحين من بني أمية في بلنسية حوالي سنة ٤٠٨ ناصره وعاونه، وكان له وزيراً، بل ناصر أكثر من واحد ممن توالوا حاملين العبء من بني أمية. فكان وزيراً لعبد الرحمن المستظهر، ثم هشام المعتد بالله. ثم نبذ هذه الطريقة وعاد إلى العلم يغترف من مناهله.
(١) طوق الحمامة ص ٩٤.
95