106

Ibn Hazm: His Life, Era, Views, and Jurisprudence

ابن حزم حياته و عصره آراؤه وفقهه

Daabacaha

دار الفكر العربي

Goobta Daabacaadda

القاهرة

عناصر القوة، ومعها عوامل الضعف، وكان أهل الأندلس أشد الناس قرباً من الاختلاف وأقوى الناس مع ذلك عقلاً وفكراً، وفي أشد عصور الانحلال السياسي كانت الحضارة العربية أقوى ما تكون فوق في كل العناصر الثقافية، فقد كان الأدب في أقصاه، وكانت الفلسفة مزدهرة، والعلوم مشعة في الآفاق.

وإذا كان سكان الأندلس من سلائل مختلفة فقد بدت فيهم كل خواص هذه السلالات، ولقد جاء في نفح الطيب في وصف أهل الأندلس:

((أهل الأندلس عرب في الأنساب والعزة والأنفة وعلو الهمم وفصاحة الألسن، وطيب النفوس، وإباء الضيم، وقلة احتمال الذل، والسماحة بما في أيديهم والنزاهة عن الخضوع وإتيان الدنية، هنود في إفراط عنايتهم بالعلوم وحبهم لها، وضبطهم لها، وروايتهم، بغداديون في نظافتهم وظرفهم ورقة أخلاقهم، ونباهتهم وذكائهم وحسن نظرهم وجودة قرائحهم ولطافة أذهانهم، وحدة أفكارهم، ونفوذ خواطرهم، يونانيون في استنباطهم للمياه ومعاناتهم لضروب الغراسات واختيارهم الأجناس الفواكه، وتدبيرهم لتركيب الشجر وتحسينهم البساتين بأنواع الخضر، وصنوف الزهر، فهم أحكم الناس لأسباب الفلاحة. وهم أصبر الناس على مطاولة التعب في تجويد الأعمال ومقاساة النصب في تحسين الصنائع. أحذق الناس بالفروسية وأبصرهم بالطعن والضرب، إن أهل الأندلس صينيون في إتقان الصنائع العلمية، وإحكام المهن الصورية (أي الآلية) تركيون في معاناتهم الحروب، ومعالجات آلاتها، والنظر في مهماتها))(١).

١٢٧ - هذه صفات وخواص لجماعاتهم، ويظهر أن كل طائفة منهم قد بدا منها العمل الذي تتقنه، وليس معنى ذلك أن كل أندلسي كانت فيه هذه الصفات، بل كان لكل صفة منها قوم اختصوا بها، فكان منهم من أجاد فلاحة البساتين، حتى كانت أشجار الفواكه التي تؤتي أكلها كل حين بإذن

(١) نفح الطيب الجزء الثاني ص ١٢٣ طبع الأزهرية.

106