Ibn Hanbal: His Life and Era – His Opinions and Jurisprudence

Mohammad Abu Zahra d. 1394 AH
7

Ibn Hanbal: His Life and Era – His Opinions and Jurisprudence

ابن حنبل حياته وعصره – آراؤه وفقهه

ابتلى بالبلاء الأكبر، فساق إليه المتوكل النعم، فردها وهو عيوف النفس، وكان يشد على بطنه من الجوع، ولا يتناول مما يشك في حله أو يتورع عنه، ثم ابتلى أحمد بعد كل هذا بأعظم بلاء ينزل بالنفس البشرية، وهو إعجاب الناس، فقد ابتلى بعد أن انتصر على كل أنواع الرزايا بإعجاب الناس، فما أورثه ذلك عجبًا ولا دله بغرور، بل كان المؤمن المحتسب المتواضع لعزة الله وجلاله، الذي لم يأخذه الثناء، وبذلك نجح في أعظم البلاء، فإن الشيطان قد يعجز عن الغواية في الشديدة والكريهة، ويعجز عن الغواية في الملاذ والمناعم، وينجح في غوايته عند الثناء يبث العجب والغرور والخيلاء، ولكن أحمد سد كل منافذ الشيطان، حتى هذا السبيل، فما استولى عليه حب المحمدة وجره إلى مهاوي الغرور، بل كان ينفر من الثناء، ويفر منه عالمًا بأنه أشد بلاء. وكان رحمه الله يقول: ((لو وجدت السبيل لخرجت، حتى لا يكون لي ذكر))، ويقول: ((أريد أن أكون في بعض الشعاب بمكة، حتى لا أعرف: قد بليت بالشهرة، إني لأتمنى الموت، صباح مساء)).

٢ - كان أحمد رجلًا صالحًا ، تلك هي الكلمة الصادقة التي رددتها الأقطار الإسلامية، وأحمد حي، ثم سجلها التاريخ بعد ذلك للأجيال، وهي التي توارثها الناس من بعده مكشوفة غير مستورة، وهي المفتاح الذي يكشف صورة أحمد، فهو المحدث، لأنه الرجل الصالح، وهو الفقيه الذي غلب وصفه بالصلاح وصفه بالفقه، بل إن صلاحه كان يمنعه من السير في فقهه إلى أقصى مداه، فكان يتوقف حيث يسير غيره، ويتردد حيث يجزم سواه، يحمجم بالمعنى حيث ينطق غيره، ويسكت عن الفتيا حيث يسارع سواه.

ولذلك طغت على فقهه نزعته إلى التحديث، ووقوفه عند الأثر، حتى لقد حسبه بعض العلماء السابقين محدثًا، وليس فقيهًا، فنرى ابن جرير الطبري لم يذكر مذهبه في اختلاف الفقهاء، وكان يقول عنه إنه رجل حديث، لا رجل فقه، وامتحن لذلك، ولم يذكره بعض الفقهاء الذين كانوا يدرسون الخلافيات،

(١) ترجمة الإمام من تاريخ الإسلام، الحافظ الذهبي، طبع المعارف، في مقدمة المسند ص ٧٤

6