65

Ibn Hanbal: His Life and Era – His Opinions and Jurisprudence

ابن حنبل حياته وعصره – آراؤه وفقهه

فقد جاء كتاب تراث الإسلام عن يوحنا الدمشقي الذي كان في خدمة الأمويين إلى عهد هشام بن عبدالملك أنه كان يلقن بعض المسيحيين ما يجادلون به المسلمين، فيقول: "إذا سألك العربي: ما تقول في المسيح؟ فقل إنه كلمة الله، ثم ليسأل النصراني المسلم: بم سمي المسيح في القرآن، وليرفض أن يتكلم بشيء حتى يجيبه المسلم، فإنه سيضطر إلى أن يقول إنما المسيح عيسى بن مريم رسول الله، وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، فإذا أجاب بذلك، فاسأله عن كلمة الله وروحه، أمخلوقة أم غير مخلوقة، فإن قال مخلوقة، فليرد عليه بأن الله كان، ولم تكن كلمة ولا روح فإن قلت ذلك، فسيفحم العربي؛ لأن من يرى هذا الرأي زنديق في نظر المسلمين"

٦١- إن هذا لم يكن خافيا عن أعين المعتزلة الذين كانوا يجادلون أهل الديانات الأخرى والزنادقة، فهم يعلمون أن من يقول القرآن قديم يمد النصارى بحجة يجادلون بها، وأن من الواجب ألا يقال هذا القول؛ لأنه يعطي للخصوم حجة على الإسلام، ويفتح الثغرة لمن ينالون منه، وليس هو الحق في ذاته، ومن قاله فقد ضاهى قول النصارى في المسيح، وحكم بتعدد القدماء، وجعل القرآن الذي ينطق به الناس قديما كشأن الله سبحانه وتعالى.

وإذا كان ذلك نظر المعتزلة فيما نظن، وهو نظر عميق سليم يحتاط للوحدانية ويحتاط للإسلام، فهو موقف لا يخلو من النبل، وهو إيمان سليم، فإذا كان أحمد ابن حنبل يحتاط لدينه، فلا يخوض في شيء لم يخض فيه السلف الصالح، فأولئك أيضاً يحتاطون لدينهم، فيسدون الأبواب بالحق لكل من يريد بالإسلام كيدا، فلم يكونوا خارجين على الدين، إذ دعوا بدعايتهم، وقد كان الأولى ألا يخاض في هذه المسألة قط، كما بروم أحمد، ولكن الذين لا يريدون بالإسلام خيرا أذاعوا هذا، ونشروه، فحق على المسلم أن يذكر الحقيقة كما هي، ويحميها، ويدعو إليها.

٦٢- إلى هنا قد أنصفنا أحمد بن أبي دؤاد والمعتزلة من حيث الرأي، ولكنا من حيث العمل نجدهم قد اشتطوا وغلوا غلوا كبيرا، وحسبهم من الغلو أن ينزلوا سوط العذاب بالتقي النقي الطاهر أحمد بن حنبل، وأن يوغلوا في إيذائه

64