177

Ibn Hanbal: His Life and Era – His Opinions and Jurisprudence

ابن حنبل حياته وعصره – آراؤه وفقهه

بعض الناقلين من أصحاب أحمد

٦٠ - سمع أحمد كثيرون قد تجاوزوا الحسبة عدداً كما قلنا، ولعل الحنابلة يبالغون في العدد، وإنه إذا ذهب قدر المبالغة يبقى بعد ذلك كثيراً، ولا يكون قليلاً، ولذلك تختار من هؤلاء الصحاب بضعة رجال كان لهم فضل في نشر علمه رضي الله عنه، وهاهم أولاء

١ - صالح بن أحمد بن حنبل: وهو أكبر أولاد الإمام أحمد رضي الله عنه، وكان أحمد معنيا بتربيته، حفيا بأن يكون من الزهاد مثله، وكانت طريقته في تهذيبه أمثل طرق التربية، وهي التربية بالأسوة الحسنة، وكثرة مشاهدة ذوي الخلق القويم، وبيان مناحي فضلهم، فإنه يروى أنه كان إذا زاره رجل من ذوي التقى والورع أحضر ابنه صالحا هذا ليراه، إذ يروى أن صالحا كان يقول: ((كان أبي يبعث خلفي إذا جاءه رجل زاهد، أو رجل صالح متقشف، لأنظر إليه، يحب أن أكون مثلهم، أو يراني مثلهم))(١).

وكان صالح هذا كثير العيال، وكان سخيا جوادا، يجود بما عنده قل أو جل، ولذلك اضطرته كثرة العيال إلى أن يلي قضاء طرسوس، ولما جاءه العهد بالولاية بكى لأنه أحس بأنه خالف ما كان أبوه يريده منه، ولأنه كان يريد أن يكون له من أبيه أسوة حسنة في العزوف عن أي عمل للسلطان، ولكنه اضطر إلى الولاية لدين ركبه ولكثرة عياله، ولذا قال معتذرا عن مخالفة طريقة أبيه: ((الله يعلم ما دخلت في هذا الأمر إلا لدين قد غلبني، وكثرة عيال، أحمد الله تعالى))

وقد تلقى صالح هذا الفقه والحديث عن أبيه، وعن غيره من معاصريه، وقد نقل إلى الناس كثيرا من مسائل الفقه التي أفتى فيها أبوه رضي الله عنهما، وقال فيه أبو بكر الخلال راوي الفقه الحنبلي: سمع من أبيه مسائل كثيرة وكان الناس يكتبون إليه من خراسان، يسأل لهم عن المسائل، أي أنهم كانوا يكتبون إليه ليسأل أباه عن المسائل، ويرسل إليهم بالأجوبة التي يتلقاها عنه، وبهذا كان طريقا لنشر فقه أبيه في حياته، ومن بعده.

(١) طبقات ابن أبي يعلى ص ١٢٦

176