171

Ibn Hanbal: His Life and Era – His Opinions and Jurisprudence

ابن حنبل حياته وعصره – آراؤه وفقهه

ويقتدى في ذلك بمالك، وابن عيينة، فهذه الكثرة لا تتفق مع المعروف عنه من الإقلال من الفتيا، ومع المعروف عنه من الإكثار من لا أدري، ومع المشهور عنه من أنه لا يفتي بالرأي إلا للضرورة القصوى، فوق ما قلنا من أنه نهى أن تنقل عنه مسائل فقهية.

ورابعها - أن أحمد قد اشتهر أنه رجع عن مسائل كثيرة نشرت عنه بخراسان، فجرّدها من نسبتها إليه، فكيف ينسب إليه ما جرد نفسه منه، ونفاه، وأعلن أنه ليس برأي له، وأنه لا يصح نقله عنه.

وخامسها - أن الفقه المنقول عن أحمد قد تضاربت أقواله فيه تضاربًا يصعب على العقل أن يقبل نسبة كل هذه الأقوال إليه، وافتح أي كتاب من كتب الحنابلة، واعمد إلى أي باب من أبوابه تجده لا يخلو من عدة مسائل اختلفت فيها الرواية بين لا، ونعم، أي بين النفي المجرد، والإثبات المجرد، ولنفتح مثلًا كتاب الفروع، في باب من أبوابه وقد وقع نظرنا على باب من أبواب الزكاة، وهو حكم الزيادة التي يأخذها جامع الزكاة أتحسب من زكاة العام المقبل أم لا تحسب، ثم أتحسب الهدايا للعامل من الزكاة أم لا تحسب، فقال:

((وإن أخذ الساعي فوق حقه اعتد بالزيادة من سنة ثانية، نص عليه، وقال أحمد رحمه الله يحسب ما أهداه العامل من الزيادة، وعنه لا يعتد بذلك... وإن زاد في الخرص (أي التقدير بالظن) هل يحتسب بالزيادة من الزكاة؟ فيه روايتان))(١).

وهكذا كلما سرت مطمئنًا قليلًا عثرت باختلاف الروايات كثيرًا، ثم محاولة التوفيق بتوفيق مقبول، أو غير مقبول، وقريب أو بعيد، وإن ذلك من شأنه أن يثير الريب حول النسبة، وإن لم يكن قطع بالرد.

٥٤ - هذه نواح قد أثارت غبارًا حول الفقه الحنبلي، وإذا أضيف إليها أن كثيرًا من الأقدمين لم يعدوا أحمد من الفقهاء، فابن جرير الطبري لم يعده منهم، وابن قتيبة الذي كان قريبًا من عصره جدًا لم يعده في جماعة الفقهاء، بل عده في جماعة المحدثين، وهكذا، ولو كانت تلك المجموعة الفقهية معروفة مشهورة، وهي بلا شك تجعل صاحبها فقيهًا أي فقيه ما ساغ لأولئك أن يحذفوا أحمد من سجل الفقهاء، وهو جدير بهذه المجموعة

(١) الفروع ج١ ص ٥٢٩.

170