ولقد عملت أبياتا من الشعر بمقصورة ابن مثنى بشرقي جامع تونس عند صلاة العصر في يوم معلوم معين، فجئت إشبيلية، وبينهما مسيرة ثلاثة أشهر للقافلة، فاجتمع بي إنسان لا يعرفني، فأنشدني بحكم الاتفاق تلك الأبيات عينها. فقلت له: لمن تلك الأبيات؟ فقال: لمحمد بن العربي. فقلت له: ومتى حفظتها؟ فذكر لي التاريخ الذي عملتها فيه، فقلت له: ومن أنشدك إياها؟ فقال: كنت جالسا ليلة بسوق إشبيلية في مجلس، ومر بنا رجل غريب فأنشدنا هذه الأبيات، فقلنا له: لمن هي؟ فقال: لفلان.»
تلك هي محطات إذاعاتهم القلبية والروحية، لا اللاسلكية والأثيرية، ولهم أيضا في مملكتهم ما يشبه ما نسميه «بالتلفزيون»، وهو تسجيل المرئيات وقيدها، ثم حملها إلى أطراف الأرض، على أجنحة الأثير في لحظات إلى شتى الأماكن والاتجاهات.
ولا تعجب أيضا، ولا يضرب الإنكار على عيني بصيرتك غشاوة فتسخر، فلقد عرض المسجد الأقصى بأبوابه ومقاصيره وساحاته على الرسول - صلوات الله عليه - يوم حدث قومه بحديث الإسراء، وأنه صلى بالرسل إماما في المسجد الأقصى، فأنكروا وتعجبوا، ثم طلبوا منه - صلوات الله عليه - أن يصف لهم المسجد الأقصى بأبوابه وعلاماته، فأطلعه الله - سبحانه وتعالى - عليه مشاهدة؛ وما كان معجزة لنبي، جاز أن يكون كرامة لولي.
يقول محيي الدين: «ولقد كنت بجامع العديس بإشبيلية يوما بعد صلاة العصر، وشخص يذكر لي عن رجل كبير من أهل الطريق من أكابرهم، اجتمع به في خراسان، فذكر لي فضله وعمله، حتى اشتقت إليه، فإذا الشخص إلي عن قرب، والجماعة لا تراه، فقال لي: أنا هو هذا الشخص الذي يصفه لك هذا الرجل. فقلت للرجل المخبر: هذا الرجل الذي رأيته بخراسان، أتعرف صفته؟ فقال: نعم. فقلت له: اسمع، فأخذت أصفه له. فقال: هو والله ما تذكر. فقلت له: هو ذا جالس يصدقك عندي فيما تخبر به.»
ولرجال تلك المملكة الرؤيا الصادقة كفلق الصبح المبين، ولهم أيضا رؤية الرسول - صلوات الله عليه - في المنام، وسؤاله وتلقي الجواب منه للتعليم والإرشاد.
يقول محيي الدين: «كنت متحيرا في مسألة العدد وأقل الجمع فيه، فرأيت رسول الله
صلى الله عليه وسلم
في منامي وأنا بين يديه، وقد سألني سائل وهو
صلى الله عليه وسلم
يسمع: ما أقل العدد؟ فقلت: عند الفقهاء اثنان، وعند النحويين ثلاثة. فقال الرسول: أخطأ هؤلاء وهؤلاء. فقلت: كيف إذن أقول؟ قال: إن العدد شفع ووتر، يقول الله - تعالى:
Bog aan la aqoon