الليل وقت الخلوة والجلوة، وقت الأنس والسمر، وقت الذكر والصفاء، وقت التجلي والتحلي، وقت الشوق والأنين والحنين، والومضات والوثبات واللمحات.
ورجال الأنفاس هم رجال الليل، يضيئون ظلمته بنور الإيمان، ويملئون صمته بدعوات الرحمن، حتى إذا جاء وقت السحر، وما أدراك ما وقت السحر؟! تجلت الأرواح واستيقظت القلوب؛ فتلقت من ربها ما تلقت، وتجملت وتحلت، وأذنت لربها وحقت؛ فلكل نصيبه المقدر، على قدر الهمة والطاقة، وعلى قدر الذكر والعبادة.
ولليل عند رجال الله مقام أي مقام! لأنهم نظروا إلى آيات الرضا، فوجدوا ثناء من الخالق - سبحانه - على الأصفياء الأخيار، الذين تتجافى جنوبهم عن المضاجع، والذين كانوا
قليلا من الليل ما يهجعون ، فأقبلوا على الليل يقطعونه راكضين إلى ربهم، مهللين ومكبرين.
يقول محيي الدين: «كان عندنا بإشبيلية رجل عابد حسن الصوت، كثير الاجتهاد، سريع الدمعة، دائم العبرة، كثير التفكر والتهجد، بت معه ليالي عدة؛ فلم يكن يفتر، فربما أسمعه بعض الأحايين ينشد بصوت طيب غرد، ودموعه تنحدر على خديه:
قطع الليل رجال
ورجال وصلوه
فيه أناس رقدوا
وأناس سهروه
لا يميلون إلى النو
Bog aan la aqoon