والثانية تعرف بها في مكة، فحادثته في المحبة الإلهية وحاورته، واتصل بينهما حبل المودة الخالصة؛ فرأى عندها من لطائف المعارف ما لا يصفه واصف، يصورها لنا في شرح ترجمان الأشواق تصويرا رائعا: «كنت أطوف ذات ليلة بالبيت، فطاب وقتي، وهزني حال كنت أعرفه، فخرجت من البلاط من أجل الناس، وطفت على الرمل، فحضرتني أبيات، فأنشدتها أسمع بها نفسي ومن يليني، لو كان هناك أحد. فقلت:
ليت شعري هل دروا
أي قلب ملكوا
وفؤادي لو درى
أي شعب سلكوا
أتراهم سلموا
أم تراهم هلكوا
حار أرباب الهوى
في الهوى وارتبكوا
فلم أشعر إلا بضربة بين كتفي ألين من الخز؛ فالتفت فإذا بجارية من بنات الروم. لم أر أحسن وجها ولا أعذب منطقا ولا أرق حاشية، ولا أطيب معنى ولا أدق إرادة ولا أظرف محاورة منها، قد فاقت أهل زمانها ظرفا وأدبا وجمالا ومعرفة، فقالت: يا سيدي كيف قلت؟ قلت:
Bog aan la aqoon