وكان الأذفونش كبير ملوك الفرنجة في ذلك الحين هو الذي يتقاضى الجزية من المعتمد ومن ثم كان على صلة وثيقة بابن عمار وقد كان الأذفونش معجبا به كل الإعجاب، حتى لقد أطلق عليه اسم «رجل الجزيرة» فكان كلما مر اسم ابن عمار في حديث يسمعه الأذفونش قال عنه «هو رجل الجزيرة غير منازع.» وقد علم ابن عمار بما يقوله عنه ملك الفرنج فارتاحت نفسه إليه، وكان يخرج إليه بالجزية فعرف عاداته وعرف ما يحب وما يكره وعرف هواياته فما غفل شيئا مما يحيط به.
ولكن هذا الإعجاب الضخم الذي يكنه الأذفونش لابن عمار لم يمنعه يوما أن يأخذ الجزية كاملة بل إنه زاد على ذلك.
أحس الأذفونش أن مملكة المعتمد في حال ضعف شديد وكان هو قد تكاثر المال لديه فانتوى في نفسه أمرا ولم يسكت عند النية.
وبينما كان المعتمد في إشبيلية على حاله لا يفيق من حب إعتماد إلا ليجلس إلى ابن عمار، وبينما كانت الدولة جميعها مشغولة لإعتماد تنفذ مطالبها وتحقق رغباتها كان الأذفونش يقوم بعمل أكثر قيمة وأجل منفعة.
وفي يوم نظرت إعتماد من شرفتها فرأت فتيات يملأن الجرار فحدقت مليا ثم همت بزوجها تريد أن تراه في سريع حاسم من الأمر ويسارع الخدم ومن خلفهم الجواري يسألون عن الملك، وكان المعتمد جالسا إلى حفنة من وزرائه يبحث معهم في حاجة الدولة إلى المال ولكن هذا لم يقف بالخدم أن يقتحموا المجلس ويطلبوا إليه أن يسارع إلى إعتماد فيسارع وإذا هي تطلب إليه أن يجعل لها ما تملأ منه الجرار فقد اشتهت أن تفعل مثلما يفعل أولئك النسوة، وينشئ المعتمد معجنة من المسك ومن ماء الورد تكلف الدولة ما كانت ستبذله لتقوية الجيش فلا يبقى بالخزانة إلا القليل.
كان هذا في أندلس الإسلام حين كان الأذفونش يبذل من المال فوق ما تحتمل موارده جميعا ليقيم شيئا آخر غير معجنة المسك، وليرضي غايات أخرى غير نفس امرأة.
وفي يوم بينما المعتمد جالس إلى النافذة يرنو إلى إعتماد ترفع ذيل الثوب عن أرجل ناعمات غائصات في المسك وماء الورد، وبينما المعتمد منتش بما يرى يستخفه الفرح ويصفق قلبه بين ضلوعه كأنه طائر يحوم حول من يحب، وبينما السرور يشيع في أجواء المعتمد إذا بوزير من وزرائه يدخل فلا يحتشم من مقاصير الحريم شيئا وإنما هو يقصد إلى المعتمد لا يريم وإذا هو يصيح به: أدركنا يا مولاي.
فينتفض المعتمد فما كان بيده حينئذ أن يدرك أحدا وما كان يتوقع أن يتجاوز رجل مهما يكن وزيرا أعتاب إعتماد. انتفض المعتمد من الدهشة ومن الغضب وإذا هو يقول للوزير بصوت يخنقه كل ما يثور بنفسه من اضطراب: ماذا أبا القاسم؟ ماذا بك؟
فيجيب الوزير هالعا ملتاعا: لقد هاجمنا الأذفونش بجيش أوله هنا وآخره لم يظهر حتى الآن. - وأين هو؟ - في ظاهر المدينة. - ومتى رأيته؟ - لقد رآه من رآه في باكر الصباح وما زال يتقاطر حتى الآن. - ويحك وماذا نفعل؟ - أمرك يا مولاي. - علي بابن عمار.
وما أسرع ما يجيء ابن عمار وما أروع ما يرى من ملك مضطرب ووزير هالع فإذا هو يشرق بينهم كالأمن يشيع في النفس وإذا هو هادئ أهدأ ما يكون المرء وكأن ما يلقى إليه بشريات لا أثر فيها للحرب فالقتل فالخراب والدمار ودولة تهوي وعرش يزول، كأن شيئا من هذا لم يلق إلى ابن عمار فهو يتكلم في هدوء وهو يهدئ الروع الثائر ولكنه يقول عجبا، يقول ابن عمار: مولاي، إني مخلص الأندلس والإسلام من كل ما تخشاه، كل ما أرجوه منك أن تفعله هو شطرنج.
Bog aan la aqoon