محمد بن عبد الوهاب
داعية وإصلاحي
تأليف
حسن بن فرحان المالكي بسم الله الرحمن الرحيم
Bogga 1
محمد بن عبد الوهاب رحمه الله داعية وإصلاحي؛ لا خلاف في هذا بين المنصفين من أهل العلم.
إنما الخلاف مع فئتين من الناس؛
مع من يكفره أو يفسقه أو يشكك في أهدافه،
ومع من ينزله منزلة الأنبياء المعصومين.
فقولنا: (داعية) رد على من يكفره أو يفسقه، وقولنا: (ليس نبيا ) رد على من يغلو فيه.
Bogga 1
محمد بن عبد الوهاب رحمه الله له فضل علينا جميعا، بل على كثير من المسلمين في العالم، لكن لا يجوز أبدا أن نقلده فيما أخطأ فيه؛ شأنه شأن غيره من البشر؛ من علماء ودعاة وطلبة علم، فإذا كنا نقبل تخطئة أبي حنيفة والشافعي وأمثالهم(1) ؛ فكيف لا نقبل تخطئة الشيخ محمد بن عبد الوهاب؟! مع أنه أقل من هؤلاء علما بإجماع المنصفين من أهل العلم.
ومحمد بن عبد الوهاب رحمه الله كسائر العظماء، الناس فيه بين قال وغال، ونحن نحاول أن نعرف ما له من حق وأثر؛ فنعترف به، ونرجو له عليه الأجر العظيم، ونعرف ما له من أخطاء؛ فنستغفر له، مع بيان هذه الأخطاء للناس؛ حتى لا يتأثروا بها؛ سواء كانت في الإيمانيات ( العقائد) أو الأحكام.
وقديما قيل (زلة العالم زلة عالم)، فلهذا يجب على أهل العلم؛ أن يبينوا أخطاء العظماء؛ مع الاعتراف بفضلهم؛ فيدفعون الناس للتوسط في هذه الأمور بلا إفراط ولا تفريط.
Bogga 2
وكتاب التوحيد أو كتاب كشف الشبهات أو غيرهما من كتب الشيخ، إنما ألفها بشر يخطئ ويصيب، ولم يؤلفها ملك ولا رسول، فلذلك من الطبيعي جدا أن يخطئ، ولا مانع شرعا ولا عقلا ومن وقوع الأخطاء من الشيخ، سواء كانت كبيرة أو صغيرة، كثيرة أو قليلة؛ فقهية أو عقدية (إيمانية).
فإذا جوزنا هذه المقدمة البسيطة، سهل الحوار والنقاش، أما إن لم نجوز هذه المقدمة؛ فهذا من الغلو الذي لا يرتضيه الشيخ نفسه، ولا المخلصون من أهل العلم، بل لعل جل دعوة الشيخ ترتكز على نقض (الغلو في الصالحين)(1)، وعلى هذا فعدم الإقرار بالمقدمة السابقة يعد انتكاسة سلفية خطيرة، تذهب بجهود الشيخ أدراج الرياح، بين محبيه وأتباعه قبل خصومه وأعدائه.
Bogga 3
لن أطيل هذه المقدمة وأختصر هنا قائلا : نعم كان لي قراءة نقدية لكشف الشبهات، وقراءة نقدية أخرى لخمس مجلدات من الدرر السنية تخص العقائد(2)، وقد استخرجت ما في كتاب كشف الشبهات، من محاسن ونبهت على ما فيهما من ملحوظات، ثم جمعت الملحوظات على كشف الشبهات في مسودة، وأعطيتها ثلاثة من الأخوة للاستشارة وإبداء الرأي، فقام أحدهم ونشرها ربما بحسن نية(3)؛ وقد عاتبته على هذا عتابا شديدا وأنكر أن يكون نشرها مع أن الاتهام بقي موجها إليه وقد افترقنا بعد هذه المعاتبة، ولكن رب ضارة نافعة، فلعل نشر المسودة هو ما شجعني لنشر العمل كاملا نشرا عاما بعد أن كنت أنوي تقديمه لبعض من يعز علي من أسرة الشيخ من باب النصيحة.
وبما أن النسخة عبارة عن (مسودة) لا تعبر عن وجهة نظري، لعدم تضمنها مقدمة عن الشيخ ورأيي فيه جملة؛ فأنني رأيت الآن أن من المناسب نشر النسخة الصحيحة (المبيضة) التي تعبر عن وجهة نظري متكاملة وعنوانها (قراءة في كشف الشبهات)، وليس (نقض كشف الشبهات) (1)! كما أشاع بعض الناس، كما أنها لم تطبع أيضا كما ظن بعضهم.
وستكون القراءة النقدية لكشف الشبهات تحت هذا العنوان الأخير (محمد بن عبد الوهاب داعية وإصلاحي وليس نبيا)، وعلى هذا سيتضمن الكتاب عملين رئيسين :
الأول : قراءة في كشف الشبهات.
الثاني : الشيخ محمد بن عبد الوهاب في كتبه ورسائله الأخرى (وهي عبارة عن نماذج من أقواله وآرائه في التكفير(2) تستدعي المراجعة من طلبة العلم ولا يضير الشيخ إن أخطأ فكل بني آدم خطاء).
Bogga 4
تنبيهان:
التنبيه الأول:
سأترك القراءة النقدية لكشف الشبهات (المبيضة) كما هي دون إضافات أو تعديلات إلا النادر منتظرا بقية الملحوظات من الأخوة القراء، لأنني أعتبر ما نشر عن المسودة شيء لا يعنيني، خاصة وأن المبيضة موجودة من ثمانية أشهر.
التنبيه الثاني:
سيجد القارئ أثناء هذا البحث أنني قد استخدم لفظة (الوهابية)، ليس من باب الذم الذي يفعله خصومها أو أنها مذهب جديد؛ وإنما من باب كونها تيارا فكريا له تاريخه وخصائصه ومصنفاته وشيوخه.. مع أن كلمة (الوهابية) ليست صفة ذم حتى لو كانت مذهبا فالمذهب الذي يعتمد على أدلة صحيحة لن يضره الاسم الجديد ولا تسمية الناس له، كما أن التيار أو المذهب الذي يبني فكره وعمله على أدلة ضعيفة؛ لن ينفعه التسمي بأحسن الأسماء فالعبرة بالإيمان وصحة العلم والعمل وليس بالتسمي ولا بالتمني.
وقد كان علماء الدعوة يجيزون استخدام (الوهابية) ويرددونها في كتبهم دون خوف من اتهام بمذهب، بل ربما ألفوا الكتب والرسائل في عقائد الوهابية ودعوتهم ولا ضير في ذلك(1).
Bogga 5
وختاما:
آمل من الأخوة المهتمين بهذه القضايا أن يقرأوا هذا العمل بأنصاف وطلب للحق (ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى)، فالحق أحق أن يتبع وكل يؤخذ من قوله ويرد كما آمل أن ما نشر في بعض وسائل الإعلام عن (المسودة) يكون مشجعا لقراءة (المبيضة) ولا أمانع من إبداء الملحوظات، بل إنني أطلبها من أهلها، وأشكر من أسدى إلي ملحوظة؛ لكنني أشترط في قبولها أن تكون صحيحة، أما ما يفعله البعض من محاولة المغالطة والتهويل وبتر النصوص ونحوه؛ فهذا الأسلوب أظن أنه أصبح ممقوتا مهجورا عند المنصفين من طلبة العلم، فلذلك لن أشغل نفسي بتتبع هذا الصنف من الناس، فلو فعلنا ذلك لما عملنا شيئا، ورحم الله المتنبي(1).
Bogga 6
أسأل الله عز وجل أن يرينا الحق حقا ويرزقنا الاعتراف به ثم أتباعه، ويرينا الباطل باطلا ويرزقنا الاعتراف به ثم اجتنابه، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله.
المقدمة*
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. أما بعد..
فإن الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله كان له دور إصلاحي ودعوي؛ امتد أثره إلى كثير من المسلمين في العالم؛ فضلا عن المسلمين داخل الجزيرة العربية.
Bogga 7
ولا ريب أن المسلم ليفرح عندما يهيئ الله مصلحين ومجددين لهذا الدين، فالله يبعث في كل مائة سنة من يجدد لها أمر دينها -كما جاء في الأثر على ضعف في إسناده- ولا أستبعد أن يكون الشيخ واحدا من هؤلاء، ولو في جانب من الجوانب، خاصة إذا علمنا أن لفظة (من) الواردة في الأثر قد تطلق على المجموع وليس على فرد، فيصبح الشيخ مجددا مع آخرين في ذلك القرن.
وقد كان مع الشيخ في القرنين الأخيرين مجددون نفع الله بهم، كمعاصره العلامة محمد بن إسماعيل الأمير الصنعاني، وهو أعلم من الشيخ وأحسن أثرا، لكن الشيخ أنشط منه في الدعوة، ثم الإمام الشوكاني بعد الشيخ بقليل، ثم في مصر الشيخ حسن البنا والعلامة المودودي في باكستان وشبه القارة الهندية، والشيخ جما الدين القاسمي في الشام والمهدي السوداني في السودان وغيرهم كثير.
فكان لهؤلاء وغيرهم -مع ما صاحب هذه الدعوات من أخطاء- الدور الكبير في عودة المسلمين للإسلام وتصحيح الأخطاء سواء في الإيمانيات أو الأعمال.
وكانت دعوات هؤلاء المصلحين دعوات إسلامية في الجملة، وكونها إسلامية لا يعني أنها خالية من الأخطاء؛ وهذه المسألة لم يدركها كثير من أتباعهم؛ الذين بهرهم شعاع هذه الدعوات الإصلاحية عن إدراك بعض الأخطاء؛ التي صاحبت دعواتهم ثم كان لهذه الأخطاء أثر سلبي على بعض طلبة العلم؛ الذين غلو فيهم ومنعوا من نقد أخطائهم، وجعلوهم في مرتبة الأنبياء المعصومين وهنا يأتي الواجب على طلبة العلم المعتدلين، في توضيح المسألة ونقد هذا الخلل؛ الذي من أجله حارب هؤلاء وتعبوا ودعوا الناس.
Bogga 8
والشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله ليس بدعا من هؤلاء، فمثلما غلا أتباع حسن البنا فيه، وغلا أتباع المهدي في المهدي، وكذا فعل مقلدو الشوكاني والمودودي وغيرهم؛ فقد ظهر في زمن الشيخ محمد وبعده من أتباعه من يغالي في الشيخ غلوا كبيرا، ويتعصب لكل ما كتبه في رسائله وفتاواه؛ بل وحكمه على الأحاديث، وآرائه في الأمم والدول والأفراد وغير ذلك.
ثم غلا هؤلاء حتى تركوا جزءا كبيرا من دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب، التي كانت في ذم (الغلو في الصالحين)، فالغلو في الصالحين من المحاور الرئيسة التي كان الشيخ رحمه الله ينقدها، فأصبحت هذه المسألة المحورية من أساسيات العقيدة عند الغلاة من أتباع الشيخ محمد رحمه الله(1).
Bogga 9
......
Bogga 9
وساعد في غلوهم غلو الطرف الآخر؛ من الصوفية والشيعة والمقلدة من أصحاب المذاهب الأربعة؛ الذين كذبوا على الشيخ محمد بن عبد الوهاب، وزعموا أنه جاء بدين
جديد، وأنه أدعى النبوة، وأنه يبغض النبي صلى الله عليه وسلم ويستهين به، وغير ذلك من الأكاذيب أو الإلزامات الباطلة.
فأدى هذا الغلو من الخصوم لغلو مضاد من بعض أتباع الشيخ الذين اعتبروا كل من خطأ الشيخ خصما للدعوة الإصلاحية، ومن خصوم العقيدة السلفية، وقد يبالغ بعضهم ويجعل هذا من خصوم الإسلام!.
وهذا ليس غريبا فكل زعيم ديني يظهر في أتباعه غلاة؛ يعتبرون الرد عليه ردا على الإسلام نفسه، وهذا لب الغلو الذي نذر الشيخ نفسه في ذمه والتحذير منه ومحاربة أهله باللسان والسيف.
Bogga 11
ثم هناك أمر آخر ينبغي التنبه له لأهميته، وهو أن خصوم الشيخ وغلوهم في تكفيره وتبديعه؛ ساعد التيار المغالي في أتباع الشيخ وتلاميذه بالظهور، والنطق باسم الدعوة، واحتكار الدفاع عن العقيدة السلفية، والغلو في ذم المخالفين، مع الغلو في الدفاع عن أخطاء الشيخ، فأصبح ما دعى إليه الشيخ مهجورا من الخصوم والأتباع، على حد سواء إلا من رحم ربك(1)، وهذا ظاهر في زمننا هذا، فليس هناك إلا غلو في الشيخ أو غلو ضده، وليس عند المغالين من الطرفين استعداد للحوار الهادئ البعيد عن التعصب، وعلامة المغالي ضد الشيخ أنه لا يقبل إلا وصفه بكل سوء، كما أنه من علامة المغالي فيه - وهو ما يهمنا في هذه الرسالة- أنه لا يقبل نقد الشيخ، ويستعظم تخطئته، وكأن تخطئته من علامات الردة عن الإسلام، فمن وجدتموه يعترف بأن الشيخ قد أخطأ أو عنده استعداد لقبول هذا فهو معتدل، ومن رفض الحديث في الموضوع فهو من الغلاة، وهذا يطرد في جميع أصناف الغلاة، سواء الغلاة في أحد الصحابة، أو العلماء أو الأئمة الأربعة ... الخ.
وقد تشوهت صورتنا -نحن طلبة العلم في المملكة- بأننا لا نعترف بأخطاء الشيخ، وأننا نعده معصوما ولا نقبل النقاش في تخطئته والرد على ما أخطأ فيه، وأنه أصبح عندنا كأحد الأنبياء، وغير ذلك من الاتهامات التي -للأسف- يساعد على انتشارها بعض الغلو الموجود عندنا في الشيخ.
فمن هنا جاءت هذه المراجعة لكتاب مشهور من كتب الشيخ محمد واسمه (كشف الشبهات) انطلاقا من عدة أمور:
الأمر الأول: أن أي منجز بشري يحتاج من وقت لآخر للمراجعة والنقد، ولا عيب في هذا لا شرعا ولا عقلا.
Bogga 13
الأمر الثاني: أن بعض الأخطاء التي وقع فيها الشيخ وخاصة في التكفير؛ قد أوقعت كثيرا من طلبة العلم فيها تقليدا أو مغالاة، داخل المملكة وخارجها.
الأمر الثالث: إحجام كل طلبة العلم في المملكة تقريبا عن بيان تلك الأخطاء؛ فأصبح بيانها (فرض عين) على كل طالب علم قادر، وبعد هذا النقد -إن سمح له بالنشر- يصبح الفرض كفائيا؛ إن فعله البعض سقط عن الباقين ولعلي من ذلك البعض إن شاء الله.
الأمر الرابع: من حق كل طالب علم في المملكة أن يذب تهمة الغلو عن نفسه، وعن أبناء بلده فكثير من الناس يعرضون عن الأخوة الدعاة القادمين من المملكة؛ بحجة أنهم يكفرون المسلمين وأنهم يتمحورون حول الشيخ محمد بن عبد الوهاب لا حول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)؛ هذا معنى ما قرأته في بعض الكتب التي تنتقد غلونا في الشيخ، وهذا أيضا معنى ما سمعته من بعض الأخوة الذين خرجوا للدعوة خارج المملكة نقلا عن تصورات بعض المسلمين، وقد اشتكى هؤلاء الدعاة من الصدود والإعراض من الناس، وهذا الصدود والإعراض نتحمل جزءا كبيرا من مسئوليته، وإن حاولنا أن نتغافل عن هذه المسئولية أو ننكرها.
فمن حقنا أن نرفع من سمعة ديننا وأنفسنا ووطننا - وطن الحرمين الشريفين - بأننا لا نتبع إلا محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وأننا لا نتمحور إلا حول قال الله وقال رسوله، وأننا -وإن كنا ثمرة جهود الشيخ رحمه الله- إلا أننا:
لا نجعله نبيا معصوما
بل نخضع أقواله لأحكام الشريعة ولا نجعله فوق الشرع
Bogga 14
بل هو وكل العلماء بل وكل الصحابة محكومون بالشرع
كل يؤخذ من قوله ويرد
وكل يستدل لقوله لا بقوله
وكل لم ينزل من السماء
وكل مأمور بالرجوع إلى الأدلة الشرعية لا إلى أقوال الرجال..
هذه هي السلفية الحقيقية .
فهذه القواعد العظيمة تطبق على الجميع، ويجب أن يحترمها ويلتزم بها الجميع، ويجب أن يعرف العالم أن هذه هي عقيدتنا(1) وهذا هو مذهبنا لا مذهب لنا غيره، وأننا مستعدون لنقد أخطاء علمائنا مع الاحتفاظ لهم بمحبتهم والدعاء لهم وتقدير جهودهم، فلا تناقض بين الأمرين إلا على المغالين من الطرفين.
Bogga 15
فمن رأى أن حبنا لهم يمنع من نقدنا لهم فهو مغال فيهم ، ومن رأى أن نقدنا لهم يمنع من حبنا لهم فهو مغال ضدهم ، فالحب والنقد، التقدير والمؤاخذة، كل هذا يسير بلا تناقض ولا طغيان طرف على آخر، ومن لم يعقل هذا فلن ينتفع بحوار ولا جدال ولا برهان، لأن هذه من أساسيات العلم والإنصاف.
سؤال:
وهناك سؤال يطرح نفسه وهو أن البعض قد يقول: كلامك هذا صحيح من حيث النظرية؛ ولكن التصحيح لا نسمح به من المالكي ولا فلان أو فلان! وإنما نسمح به من علماء (مؤتمنين)! على الدعوة!.
وللجواب أقول:
أولا: لا يجوز للمصلح أو الباحث أن ينتظر حتى يقرر الآخرون أنهم يقبلون منه أو لا يقبلون، فالشيخ محمد نفسه لم ينتظر هذا من علماء زمانه، وإنما كان يعرض عليهم الدليل ويطالبهم بالدليل، مع أنهم كانوا يرونه أقل علما فضلا، وكذلك فعل العلماء والدعاة عبر العصور.
فالواجب على المصلح أن يعرض الحق مع أدلته، ويرد الباطل دون انتظار أن يرضى الطرف الآخر أو يسخط، فالدين ليس حكرا على فئة من الناس، وإنما هو للجميع ثم يحاسب الشخص على أدلته وبراهينه، ويرد عليه بالدليل والبرهان إذا كان طالب حق.
Bogga 16
ثانيا: هذه المقولة من قصر التصحيح على بعض الناس باطلة؛ وقد رددها كفار قريش بقولهم (وقالوا: لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم)، فقد كان الذي منع كثيرا من الكفار عن الهداية أنهم لم يرتضوا البيت الهاشمي للنبوة! وكانوا يريدون أن تظهر في بيوتات أخرى (مؤتمنة على مصالح قريش!) لكن الله عز وجل لم يستجب لهم فالله (أعلم حيث يجعل رسالته).
وكل المصلحين على مر التاريخ يواجهون هذه الشبهة؛ مع أن الحق وقوله فرض على كل مسلم، وليس مختصا بفئة من الناس، ولا منطقة من المناطق، ولا أظن عاقلا متدينا من طلبة العلم يرى هذا الرأي( الجاهلي)؛ الذي بعث بنقضه محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، قبل أن يقوم بنقده الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله في كتابه المشهور (مسائل أهل الجاهلية).
ثالثا: النيات علمها بيد الله عز وجل وكم من شخص يؤتمن فيخون، وكم من آخر يظن به الظنون وهو خير للإسلام من ألف من أمثال الرجل المؤتمن، وعلى هذا فلنترك البحث في النيات لله، وننظر في الأدلة وأيها أقرب لكتاب الله وسنة رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم).
رابعا: المؤتمنون ما زالوا ساكتين! وإلى الآن لم يبينوا الأخطاء التي وقع فيها بعض علماء الدعوة؛ حتى اغتر بتلك الأخطاء بعض الشباب والحركات التي تتسرع في التكفير وترمي به الأبرياء، ولا أريد ضرب الأمثلة، فهي واضحة للجميع، ولا أظن (المؤتمنين) سيتركوننا لبيان الحق، فضلا عن المشاركة في ذلك، لأن مصلحتهم - لا مصلحة الإسلام- تقتضي المعارضة لكل ناصح، والتشكيك في نيته ومنهجه، وما زالوا بحاجة لجهاد نفس ووقت أطول حتى يصلوا هذه المرحلة التي نراها ضرورية في هذا الزمن أكثر من أي وقت مضى.
Bogga 17
على أية حال : لابد أن يكون عندنا الشجاعة للمبادءة بنقد أخطائنا، وتصحيح بيتنا الداخلي، وعدم الخجل من ذلك، لأن الأمر دين وليس مناورة سياسية.
والخلاصة أقول:
كل العلماء عبر العصور يجب علينا محبتهم وتقديرهم ومعرفة فضلهم ؛ لكن دون تقديس ولا مجاملة لهم على حساب الحق، فالحق يجب أن نعمل على إظهاره، وتبرئة الكتاب والسنة من أخطاء البشر.
ومن هذا المنطلق فإنني وجدت الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله - على فضله وأثره الدعوي الذي لا ينكره منصف- قد وقع في أخطاء أصبحت سنة متبعة عند بعض طلبة العلم؛ الذين أصبحوا يطلقون التكفير في حق علماء ودول وطلاب علم؛ بناء على ما قرره الشيخ محمد في بعض كتبه ورسائله، وأصبح الواحد من هؤلاء يحتج بأن الشيخ كان يرى كفر هؤلاء العلماء، وكفر هؤلاء الحكام ؛ وكفر من هذه صفته ... الخ.
والتمسك بكلام الشيخ رحمه الله في هذا الأمور تمسك بالخطأ، والخطأ لا يجوز التقليد فيه.
Bogga 18
لكن بعض طلبة العلم لم يتنبه على مواضع هذا الخطأ، ويتهم العلماء الموجودين الآن بمجاملة غيرهم من العلماء والحكام في العالم الإسلامي، لأنهم لا يكفرونهم! بل وصل ببعضهم إلى تكفير العلماء والحكام في هذه البلاد، فضلا عن غيرهم من علماء وحكام المسلمين بناء على ما كتبه الشيخ محمد، وهؤلاء المكفرون قد رددت عليهم في مقالات هادئة نشرت في بعض الصحف المحلية وكان لي كتاب -لم يسمح له بالنشر- في الرد على هذا التيار بأسلوب هادئ وبراهين، أزعم أنها كانت مقنعة ونابعة من النصوص الشرعية.
وردي هذا ليس على ذلك التيار فقط، وإنما يستهدف الرد -بالدرجة الأولى- أولئك الذين يحاولون أن يركبوا الجملين جميعا! فيردون على أهل التكفير ويغلون في الدفاع عن أخطاء أئمة الدعوة!.
أو بلغة أخرى نقول: يردون على هؤلاء الشباب الذين كفروا العلماء والحكام بأدلة العلماء الذين كانوا يردون على الشيخ محمد بن عبد الوهاب! فكأنهم يردون على الشيخ محمد بهذه الطريقة التي تجمع بين الذكاء والغباء.
ونحن نقول لهم: إن الله حرم التلون وهو الظهور بوجهين وذم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ذا الوجهين، فإن كنتم رادين على هؤلاء الشباب؛ فعليكم أن تردوا على بعض الأخطاء في التكفير التي وقع فيها الشيخ محمد وبعض علماء الدعوة.
وإن كنتم تدافعون عن الشيخ محمد وعلماء الدعوة فيجب أن تدافعوا عن هؤلاء، لأنهم مقلدون له ولبعض علماء الدعوة وستأتي النماذج.
وأنا بحمد الله -وإن أساء بي البعض الظنون(1)- لكن لي وجها واحدا وأرد على شبهات التكفير سواء قالها خصم أو صديق، طالب علم أو عالم أو عامي.
Bogga 19
وردي على هذه الشبهات أراه واجبا دينيا مع الاحتفاظ بحق الإسلام للجميع وحق خاص للشيخ محمد بن عبد الوهاب باعتباره كان سببا في إيجاد هذا الكيان الكبير، الذي التقى فيه أبناء هذا الوطن من أقصى الشمال لأقصى الجنوب ومن أقصى الشرق لأقصى الغرب، فكان الشيخ سببا -بعد توفيق الله- في القضاء على التشرذم والتنازع مع بث العلم والدعوة للإسلام الخالص النقي من البدع والخرافات، كل هذا شيء نعترف به ونقدره؛ ونحب الشيخ لأجله في الله وندعو له، لكن أن تكون هذه المحاسن مانعة من الملحوظات العلمية عليه فلا؛ لسبب بسيط وهو أنه بشر يخطئ ويصيب.
وعندما يقوم بعض الباحثين بتعقب الشيخ في مسائل أخطأ فيها ليس نهاية الإسلام، ولا يعني القضاء على منجزاتنا العلمية والدعوية بالفشل، وإنما من حيوية دعوة الشيخ وقوتها أنها تنتج من أبنائها من يتعقب بعض أقواله التي اجتهد فيها فأخطأ.
وهذه ميزة العلماء الربانيين أنهم يعطون منهجا، ولا يلزمون أتباعهم باجتهاداتهم، وهذه الدراسة لو يسمح لها بالنشر لكانت من أكبر الأدلة في الرد على مزاعم كثير من المسلمين في العالم الذين يتهموننا بالتعصب للشيخ لا للكتاب والسنة.
وأنا على أمل إن شاء الله أن يجد هذا الكتاب القبول وأن يحسن طلبة العلم الظن، ويقرؤوا الكتاب بإنصاف وينظروا ما فيه من حق فيتبعوه وما فيه من خطأ فيردوه.
Bogga 20