75

فالسحر يسمى عندهم باسمين؛ أحدهما: بسحر المجوس، ويدل عليه اسمه «الماجي» “Magic”

الذي بقي في اللغات الغربية بلفظه القديم.

والسحر الآخر يسمى بصناعة الساحرة “Witchcraft” ، ويؤخذ من اسمه هذا أنه كان مقصورا على المرأة منذ كانت المرأة في العرف الشائع أداة الشيطان في الغواية، وعون الشيطان على كيده وعصيانه.

فقد كان الأقدمون يخلطون بين فتنة المرأة بوحي الغريزة الجنسية، وفتنتها بوسوسة الشيطان، ويحسبونها من ثم حبالة شيطانية يسخرها الشيطان، أو تستعين به هي على تسخير المفتونين لأغراضها ومشتهياتها، ويقع في أذهانهم أنها أقرب إلى الخلسة والخداع؛ لأنها تعاشر الشيطان في زواج غير مشروع، ولا يحسبونه إلا من قبيل السفاح الممنوع، بل هم يحسبونه شرا من السفاح الممنوع؛ لأن السفاح الممنوع بين الرجل والمرأة من الإنس لا يبلغ في العصيان والمنكر مبلغ المعاشرة التي تجمع بين بنت من بنات حواء وبين عدو الله.

وتتميز أدوات السحرين كما يتميز السحران في المقصد والوسيلة، فسحر الحكمة والمعرفة له أدواته من رصد الكواكب ورياضة النفس، والروائح الزكية من الطيب والبخور.

وعلى نقيض ذلك سحر الخبث والأذى، أو سحر الشيطان بعبارة أخرى، فإنه يتوسل إلى مقاصده الخبيثة بكل دنس كريه من الأدوات والآلات، ويقال عن سحرته إنهم يلوثون كل طهر، ويبتذلون كل قداسة، وإنهم يدنسون اللبن والكتب الشريفة، ويتقربون إلى الشيطان بإحلال الدعوات والصلوات محل الحطة والهوان، ويزعمون أن الوضوء الشيطاني أيسر للمرأة من الرجل؛ لأنها تستخدم فيه الدم المطرود، ويتعمدون التبشيع والتنفير جهدهم من التخيل، فيزعمون أن الساحرة تمسح قدميها بشحم منتزع من جثة طفل ذبيح، وتخرج للطيران من مدخنة البيت وهي تمتطي المكنسة المتسخة؛ لأنهم لا يريدون أن يسلموا لها القدرة على الطيران إلا أن تكون من طريق الحريق والسواد، وعلى أداة من أدوات الأوساخ والأرجاس. •••

ومن أصول السحر في عصور الحضارة الأولى ما يسمى بعلم التنجيم، ويطلق على علم الفلك وعلم الغيب في وقت واحد.

كان التنجيم أصلا من أصول السحر يوم كان الكاهن يتولى وظيفة الإمام، ووظيفة العالم، ووظيفة الساحر، وكان الناس يؤمنون معه بربوبية الأفلاك وسريان مشيئتها في الأرضين ومن عليها، فكان الكاهن إماما يصلي لها، وعالما يعرف حسابها، وساحرا يستطلع أسرارها، ويتوخى التوفيق بينها وبين مطالب أتباعه ومقاديرهم التي يستنبئ عنها الغيب، ويعلم كيف يتعجلها ويتقيها.

وبقي التنجيم أصلا من أصول السحر بعد زوال عبادة الأفلاك وبطلان القول بربوبيتها، ولكن بطلان القول بهذه الربوبية لم يبطل القول بسلطان الأفلاك وتأثيرها بأمر الله في العوالم السفلية، واختلف المتدينون في مدى هذا التأثير، كما قال الكشناوي في كتابه عن خلاصة السحر والطلاسم؛ إذ ينقل آراء المختلفين فيقول: «إن الذي اختص به الصابئة وبعض الفلاسفة الذين وافقوهم على رأيهم إنما هو القول بألوهية الكواكب، واستحقاقها للعبادة، واستقلالها بالتأثير والتدبير في هذا العالم، فهذا كفر مجمع عليه في جميع الملل والأديان؛ لأن الملل كلها مطابقة على أن المستحق للعبادة، والذي بيده التأثير وتدبير الكائنات إنما هو إله واحد واجب الوجود، متصف بصفات الألوهية والربوبية، وأن كل ما عداه حادث مفتقر إليه على الدوام، لا يستقل بنفسه في شيء من الأشياء ولو لحظة واحدة.

وأما القول بأنها مؤثرة بقوة أودعها الله فيها ثم تركها تؤثر بتلك القوة في العالم بإذنه تعالى، بحيث لو لم يرد ذلك تبارك وتعالى لما أثرت أصلا، ومثلوا ذلك بملك يولي شخصا بقطر من الأقطار، فيفوض له الأمر والحكم هناك، فيصير ذلك الرجل يمضي الأحكام في ذلك القطر بإذن الملك، بحيث لو لم يرد ذلك منه لعزله عن تلك الولاية، فهذا القول قد قاله جميع المليين، ومنهم إمام الحرمين، ولم يرتضه السنوسي، بل عده من البدع المنكرة وشنع على القائلين به، ولم يصل بهم إلى حد الكفر. وأما من يقول: إنها أسباب عادية أجرى الله عادته بوجود الحوادث عندها لا بها، مع تجويز التخلف عن خرق تلك العادة، كما هو الحكم في سائر الأسباب العادية من الأكل والشرب ، والقطع والإحراق ، فهذا القول لا ينكره أحد ...»

Bog aan la aqoon