وقد رويت قصة آدم في مواضع متفرقة من القرآن الكريم، ورويت توبته من عمله أو قوله في بعض هذه المواضع ، وهي جميعا مآل التكليف الذي يفرض على الإنسان؛ يسأل عن خطيئته وإن وسوس له الشيطان، وتحسب له توبته وإن كانت بهداية الله.
وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال إني أعلم ما لا تعلمون * وعلم آدم الأسماء كلها ثم عرضهم على الملائكة فقال أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين * قالوا سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم * قال يا آدم أنبئهم بأسمائهم فلما أنبأهم بأسمائهم قال ألم أقل لكم إني أعلم غيب السماوات والأرض وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون * وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس أبى واستكبر وكان من الكافرين * وقلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة وكلا منها رغدا حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين * فأزلهما الشيطان عنها فأخرجهما مما كانا فيه وقلنا اهبطوا بعضكم لبعض عدو ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين * فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه إنه هو التواب الرحيم * قلنا اهبطوا منها جميعا فإما يأتينكم مني هدى فمن تبع هداي فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون . •••
وجاءت في سورة الحجر حيث يفاضل إبليس بين خلقته وخلقة آدم:
والجان خلقناه من قبل من نار السموم * وإذ قال ربك للملائكة إني خالق بشرا من صلصال من حمإ مسنون * فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين * فسجد الملائكة كلهم أجمعون * إلا إبليس أبى أن يكون مع الساجدين * قال يا إبليس ما لك ألا تكون مع الساجدين * قال لم أكن لأسجد لبشر خلقته من صلصال من حمإ مسنون * قال فاخرج منها فإنك رجيم * وإن عليك اللعنة إلى يوم الدين * قال رب فأنظرني إلى يوم يبعثون * قال فإنك من المنظرين * إلى يوم الوقت المعلوم * قال رب بما أغويتني لأزينن لهم في الأرض ولأغوينهم أجمعين * إلا عبادك منهم المخلصين * قال هذا صراط علي مستقيم * إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين . •••
وقد تساءل المعقبون على قصة آدم من الشراح الغربيين عن معنى الشجرة التي أكل منها آدم في الدين الإسلامي، وقال بعضهم: إن القرآن تركنا في حيرة من أمر هذه الشجرة، ما معناها؟ وماذا جناه آدم وحواء من جراء الاقتراب منها وأكل ثمراتها؟ وليس في الأمر ما يدعو إلى التساؤل ولا في الحيرة، لولا أن هؤلاء الشراح وضعوها في أذهانهم معنى معلوما، وأرادوا أن يجدوه في القرآن فلم يجدوه كما أرادوه.
إذ لا يخفى على الناظر في القصة أن ثمرات هذه الشجرة هي ثمرات «التكليف» بجميع لوازمه ونتائجه، وما كان الفارق بين آدم قبل الأكل منها وبعد الأكل منها إلا الفارق بين الحياة في دعة وبراءة، والحياة «المكلفة» التي لا تخلو من المشقة والشقاق والامتحان بالفتنة ومعالجة النقائص والعيوب، كلما تكررت القصة في الآيات القرآنية كان في تكرارها تثبيت لهذا المعنى على وجه من وجوهه المتعددة، ويبدو ذلك جليا من المقابلة بين ما تقدم وما جاء عن هذه القصة في سورة الأعراف، وذاك حيث يذكر التصوير بعد الخلق، أو إعطاء الصورة بعد إعطاء الوجود، ثم تمضي القصة على ما يلي:
ولقد خلقناكم ثم صورناكم ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس لم يكن من الساجدين * قال ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين * قال فاهبط منها فما يكون لك أن تتكبر فيها فاخرج إنك من الصاغرين * قال أنظرني إلى يوم يبعثون * قال إنك من المنظرين * قال فبما أغويتني لأقعدن لهم صراطك المستقيم * ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ولا تجد أكثرهم شاكرين * قال اخرج منها مذءوما مدحورا لمن تبعك منهم لأملأن جهنم منكم أجمعين * ويا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة فكلا من حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين * فوسوس لهما الشيطان ليبدي لهما ما ووري عنهما من سوآتهما وقال ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين * وقاسمهما إني لكما لمن الناصحين * فدلاهما بغرور فلما ذاقا الشجرة بدت لهما سوآتهما وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة وناداهما ربهما ألم أنهكما عن تلكما الشجرة وأقل لكما إن الشيطان لكما عدو مبين * قالا ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين * قال اهبطوا بعضكم لبعض عدو ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين * قال فيها تحيون وفيها تموتون ومنها تخرجون * يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباسا يواري سوآتكم وريشا ولباس التقوى ذلك خير ذلك من آيات الله لعلهم يذكرون * يا بني آدم لا يفتننكم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنة ينزع عنهما لباسهما ليريهما سوآتهما إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم إنا جعلنا الشياطين أولياء للذين لا يؤمنون .
ومن تمام التوكيد لحدود التكليف في هذه القصة أن خطاب آدم به لا يغني عن خطاب بنيه وأعقابه، فهو مكلف وهم مكلفون، وخطيئته لا تلزمهم وتوبته لا تغني عنهم، ومولدهم منه يخرجهم على سنة الأحياء المولودين حيث يحيون وحيث يكدحون ويموتون.
ويميل الشراح الغربيون إلى النقد كلما وجدوا له ندحة في قصص القرآن ولا سيما هذه القصة، وآخر من وقفنا على نقد له من هذا القبيل «بابيني» الإيطالي صاحب كتاب الشيطان، فإنه يستغرب أن يؤمر إبليس بالسجود لآدم مع غلو القرآن في تحريم الشرك، وتنزيه الوحدانية الإلهية، ولكن المطلعين من الشراح الغربيين على اللغة يفهمون معنى السجود هنا، ولا يخرجون به عن معنى التحية والإكبار، ومنهم من يفعل ذلك لأنه يريد أن يرجع بعقائد الإسلام إلى الأصول الإسرائيلية كما فعل توري “Torrey”
في كتابه عن أسس الإسلام من التراث اليهودي. ولم يكن في التراث اليهودي ذكر لغير الحية في هذا المقام، وهو فارق شاسع تقوم عليه الفوارق الشاسعة جميعا في التفرقة بين الضرر والشر، أو بين الشر الحيواني والشر الأخلاقي كما قدمنا. •••
Bog aan la aqoon