49

ولوحظ في المقارنات بين العقائد أن اختصاص الشيطان بخلائقه، التي تنافر الأخلاق العليا، إنما كان يزداد ويتمكن كلما استعار العبريون شعائرهم ومأثوراتهم من أبناء الحضارات الكبرى، وأن أنبياءهم الذين أكدوا لهم عقيدة التوحيد والتنزيه لم يجدوا منهم سميعا قبل القرون الثلاثة الأخيرة التي سبقت ظهور المسيحية، ولم يكن تمييز الشيطان بخلائقه المنافرة للخير «عقيدة رسمية» يقرها الرؤساء المسئولون، ولكنه كان من قبيل التراث المحفوظ الذي تعرف مصادره حينا، وينقل من رواته في البيئة التي يشيع فيها بغير مصدر معلوم.

فلما تلاقت العبرية والمسيحية في الزمن، كانت صورة الشيطان على ما انتهت إليه يومئذ ميراثا مشاعا لا يستند فيه اليهود إلى نسختهم من التوراة، ولا إلى أسانيدهم «الرسمية»، ولكنها كانت صورة لا يختصون بها، ولا يمتنع أحد على غير ملتهم أن يقبلها؛ لأنهم نقلوها كما نقلها سواهم من مصادرها المعلومة أو مصادرها المجهولة، ولم ترجع بها كتب التلمود والمشنا إلى نبي من أنبيائهم المعدودين.

المسيحية

ذكر الشيطان بأسماء متعددة فيما روته الأناجيل من أقوال السيد المسيح، أو أقوال المتحدثين إليه على اختلاف المعتقد والنية.

فذكر باسم الشيطان، واسم «روح الضعف»، واسم الشرير، واسم رئيس هذا العالم، واسم بعلزبول، وقيل عن بعلزبول بلسان الفريسيين: إنه رئيس الشياطين.

وتذكر الأناجيل أخبار المجانين الذي شفاهم السيد المسيح فتقول عنهم تارة: إنهم صرعى الشيطان، وترد كلمة الشيطان في الترجمة اليونانية مقابلة للكلمة اليونانية التي تطلق على إبليس “Diabolos” ، أو مقابلة للكلمة التي تطلق على العفريت والروح المتسلط “Demon” ، سواء كان شريرا أو غير شرير.

وفي أحد هذه الأخبار ذكرت امرأة مصابة فقيل عنها: إنها «كان بها روح ضعف ثماني عشرة سنة، وكانت منحنية ولم تقدر أن تنتصب البتة»، فلما رآها يسوع دعاها وقال لها: «يا امرأة، إنك محلولة من ضعفك ...» الإصحاح الثالث عشر من إنجيل لوقا.

وبصدد المخبولين والمصروعين وشفائهم على يد السيد المسيح قال الفريسيون: إنه يحالف رئيس الشياطين، ويأمرهم باسمه وسلطانه فيطيعونه ويخرجون من أجسام صرعاهم. وقد جاءت هذه القصة بصيغ مختلفة في الأناجيل، ورواها إنجيل متى فقال: «إنه أحضر إليه مجنون أعمى وأخرس فشفاه، وتكلم الأعمى والأخرس وأبصر، فبهت كل الجموع وقالوا: ألعل هذا هو ابن داود؟»

أما الفريسيون فلما سمعوا قالوا: هذا لا يخرج الشياطين إلا ببعلزبول رئيس الشياطين. فعلم يسوع أفكارهم وقال لهم: «كل مملكة منقسمة على ذاتها تخرب، وكل مدينة أو بيت منقسم على ذاته لا يثبت، فإن كان الشيطان يخرج الشيطان فقد انقسم على ذاته، فكيف يثبت ملكه؟ وإن كنت أنا ببعلزبول أخرج الشياطين، فأبناؤكم بمن يخرجون؟ لذلك هم يكونون قضاتكم، ولكن إن كنت أنا بروح الله أخرج الشياطين، فقد أقبل عليكم ملكوت الله.»

وموضع الالتفات في كلام السيد المسيح هنا هذه المقابلة بين مملكة بعلزبول وملكوت الله، وأن السلطان الذي لا يكون بقوة الشيطان إنما يكون بروح الله.

Bog aan la aqoon