115

والمقارنة بين الأديان والعقائد علم حديث من علوم القرن التاسع عشر، بدأ البحث فيه قبيل ختامه، وانتصف القرن العشرون ولا تزال الكشوف الأخيرة فيه تتوالى وينسخ بعضها بعضا، أو يشير بانتظار النهاية بعد خطوات لم تبرح أوائل الطريق، وكلما تعجل الباحث الفراغ من دور الجمع والتبويب والنتائج المعلقة على البقية المنتظرة؛ بادرته الكشوف الحديثة بما ينقض حكمه، أو يضطره إلى تعديله على ترقب وتؤدة واستعداد.

ونحن نختم هذه الرسالة، والأجزاء الأخيرة من موسوعة أرنولد توينبي “Arnold Toynbee”

تصدرها المطبعة من المجلد السابع إلى المجلد العاشر، وفي نهاية الجزء السابع منها تعقيب على الظاهرة الغامضة التي كشفت عن التشابه القريب بين عقائد القبائل البدائية في القارات الخمس، وانقسام المفسرين لهذه الظاهرة إلى فريقين: فريق يرى أن الإنسان تلقى إلهاما بالوحدانية قبل التاريخ، وقبل افتراق الأجناس والقارات، وفريق يرى أن الطبيعة الإنسانية تتقارب في وحي البديهة، وتستلهم شعورا واحدا بما وراء المادة المشهودة، وسيمضي زمن طويل قبل أن تتحد النتائج بين الفريقين؛ لأن الأرض واسعة، والقبائل البدائية مبعثرة على أرجائها، ومسائل العقيدة عندها من أسرارها التي تخفيها، وما تجلوه منها اضطرارا أو اختيارا يتيه فيه الباحثون بين غرابة اللغة وغرابة الرموز.

فمن الغرارة البالغة أن يقول قائل عن موضوع من موضوعات المقارنة بين الأديان: إنه شيء عتيق مضى أوانه، على حين اتفاق الأقوال بين علماء المقارنة وقرائها على ابتدائها في خطواتها الأولى، وانتهائها فيما انتهت إليه إلى نتائج معلقة بين الترجيح والتردد والانتظار.

ولا نخال أن السريرة الإنسانية تكشف عن أعماقها بعلم من العلوم - كهذا العلم وعلم الدراسات النفسية - وهو كذلك في خطواته الأولى، أو على أبواب النتائج التي لا تفتح إلا بين التردد والانتظار.

لكن الفائدة المبكرة التي خلصت للعقل الإنساني من بواكير البحث في العلمين: أن مقاييس الحقائق تختلف وتتعدد، وأن الحقائق كلها لا تقاس بأرقام الحساب، وأنابيق المعامل، وتجارب الطبيعيين، ومناظر الفلكيين.

فها هنا حشد من العقائد والأخيلة تمتلئ به سيرة النوع الإنساني في نحو مائة قرن يدركها التاريخ.

ما هي في أرقام الحساب أو أنابيق المعامل أو تجارب الطبيعة أو مناظر الفلكيين؟

سهل على أدعياء العلم أن يصرفوها بكلمتين: حديث خرافة!

وحديث الخرافة يجب أن يلغى، فتعالوا نلغه ونعهد بأدعياء العلم جميعا أن يبدءوا بالنوع الإنساني في تعلم الخير والشر والقداسة، واللعنة على برنامج غير هذا البرنامج، وتربية غير هذه التربية.

Bog aan la aqoon