فهذا ونحوه من القرآن مما يستدل به العقلاء من عباد الله المؤمنين على أن الله عز وجل خلق خلقا من عباده أراد بهم الشقاء فكتب ذلك عليهم في أم الكتاب عنده فختم على قلوبهم فحال بينهم وبين الحق أن يقبلوه وغشا أبصارهم عنه فلم يبصروه وجعل في آذانهم الوقر فلم يسمعوه وجعل قلوبهم ضيقة حرجة وجعل عليها أكنة ومنعها الطهارة فصارت رجسة لأنه خلقهم للنار فحال بينهم وبين قبول ما ينجيهم منها فإنه قال الله عز وجل ^ ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والإنس لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لايبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها أولئك كالأنعام بل هم أضل ^
وقال تعالى ^ وتمت كلمة ربك لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين ^
فهذا وما أشبهه فرض على المؤمنين الإيمان به وأن يردوا علم ذلك ومراد الله فيه إلى الله عز وجل ويحمل جهل العلم بذلك المؤمن على نفسه ولا ينبغي للمخلوقين أن يتفكروا فيه ولا يقولوا لم فعل الله ذلك ولا كيف صنع ذلك وفرض على المؤمن أن يعلم أن ذلك عدل من فعل الله لأن الخلق كله لله عز وجل والملك ملكه والعبيد عبيده يفعل بهم ما يشاء ويهدي من يشاء ويضل من يشاء ويعز من يشاء ويذل من يشاء ويغني من يشاء ويفقر من يشاء ويسعد من يشاء ويحمده على السعادة ويشقي من يشاء ويذمه على الشقاء وهو عدل في ذلك لا راد لحكمه ولا معقب لقضائه
ﵟلا يسأل عما يفعل وهم يسألونﵞ
واختص برحمته من يشاء من عباده فشرح صدورهم للإيمان به وحببه إليهم وزينه في قلوبهم وكره إليهم الكفر والفسوق والعصيان وسماهم راشدين وأثنى عليهم بإحسانه إليهم لأنه خصهم بالنعمة قبل أن يعرفوه وبدأهم بالهداية قبل أن يسألوه ودلهم بنفسه من نفسه على نفسه رحمة منه لهم وعناية بهم من غير أن يستحقوه وصنع بهم ما وجب عليهم شكره فشكرهم هو على إحسانه إليهم قبل أن يشكروه وابتاع منهم ملكه الذي هو له وهم لا يملكونه وجعل ثمن ذلك مالا يحسنون أن يطلبوه فقال
ﵟإن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنةﵞ
ثم قال
ﵟفاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيمﵞ
فقالوا حين قبضوا ثمن ابتياعه منهم ووصلوا إلى ربح تجارتهم
ﵟالحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله لقد جاءت رسل ربنا بالحقﵞ
Bogga 256