فلما نظر إليها الملك قال لوزرائة. هذا عمل ألف يوم، فسميت الفيوم، فأقامت تزرع كما تزرع غوائط مصر (١) .
قال: ثم بلغ يوسف قول وزراء الملك، وأنه إنما كان ذلك منهم على المحنة منهم له، فقال للملك: إن عندي من الحكمة والتدبير غير ما رأيت؛ فقال الملك: وما ذاك؟ فقال: أنزل الفيوم من كل كورة من مصر أهل بيت، وآمر أهل كل بيت أن يبنوا لأنفسهم قرية -وكانت قرى الفيوم على عدد كور مصر- فإذا فرغوا من بناء قراهم صيرت لكل قرية من الماء بقدر ما أصير لها من الأرض، لا يكون في ذلك زيادة عن أرضها ولا نقصان، وأصير لكل قرية شربا في زمان لا ينالهم الماء إلا فيه، وأصير مطاطئا للمرتفع، ومرتفعا للمطاطئ بأوقات من الساعات في الليل والنهار، وأصير لها مصاب (٢) فلا يقصر بأحد دون حقه، ولا يزداد فوق قدره. فقال له فرعون: هذا من ملكوت السماء؟ قال: نعم، فبدأ يوسف فأمر ببنيان القرى، وحد لها حدودا، فكانت أول قرية عمرت بالفيوم قرية يقال لها شانة، وهي القرية التي كانت تنزلها بنت فرعون. ثم أمر بحفر الخليج وبنيان القناطر، فلما فرغوا من ذلك استقبل الأرض ووزن الماء؛ ومن يومئذ أحدثت (٣) الهندسة، ولم يكن الناس يعرفونها قبل ذلك.
قال: وكان أول من قاس النيل بمصر يوسف ﵊، ووضع مقياسا بمنف (٤) .
أخرج ابن عبد الحكم من طريق الكلبي، عن أبي صالح عن ابن عباس، قال: فوض الريان إلى يوسف تدبير ملك مصر، وهو يومئذ ابن ثلاثين سنة.
وأخرج عن عكرمة أن فرعون قال ليوسف: إني قد سلطنتك على مصر، إني
_________
(١) الغوائط: جمع غوطة، وهي الأرض المتسعة إلى منحدر.
(٢) فتوح مصر: "قبضات".
(٣) كذا في الأصل وابن عبد الحكم، وفي ح، ط: "أخذت".
(٤) فتوح مصر ١٦.
1 / 39