بحر القلزم، ومسافة ذلك عشرون مرحلة. وتنسب إلى مصر. وقيل: مصر بن بيصر بن حام، ويسمي اليونان بلد مصر مقدونية، وأول مدينة اختطت بمصر مدينة منف، وهي في غربي النيل، وتسمى في عصرنا بمصر القديمة. ولما فتح عمرو بن العاص مصر أمر المسلمين أن يحيطوا حول فسطاطه، ففعلوا، واتصلت العمارة بعضها ببعض، وسمي مجموع ذلك الفسطاط. ولم يزل مقرًّا للولاية والجند إلى أن وليه أحمد بن طولون، فضاق بالجند والرعية، فبنى في شرقيه مدينة، وسماها القطائع، وأسكنها الجند، يكون مقدارها ميلًا في ميل. ولم تزل عامرة إلى أن هدمها محمد بن سليمان الكاتب في أيام المكتفي، حنقًا على بني طولون سنة اثنتين وتسعين ومائتين، وأبقى الجامع. ثم ملك العبيديون مصر في سنة ثمان وخمسين وثلاثمائة، فبنى جوهر القائد مولى المعز مدينة شرقي مدينة ابن طولون، وسماها القاهرة، وبنى فيها القصور لمولاه، فصارت بعد ذلك دار الملك ومقر الجند.
قال في السكردان (١): وكان جوهر لما بنى القاهرة سماها المنصورة (٢)، فلما قدم المعز غير اسمها، وسماها القاهرة؛ وذلك أن جوهرًا لما قصد إقامة السور جمع المنجمين، وأمرهم أن يختاروا طالعًا لحفر الأساس، وطالعًا لري حجارته، فجعلوا قوائم من خشب، بين القائمة والقائمة حبل فيه أجراس، وأعلموا (٣) البنائين أنه ساعة
_________
(١) كتاب سكردان السلطان، لأبي العباس أحمد بن يحيى بن أبي بكر الشهير بابن حجلة، والمتوفى سنة ٧٧٦؛ كتاب أدبي تاريخي، يشتمل على أنواع من الجد والهزل؛ ألفه للسلطان الملك الناصر بن أبي المحاسن في سنة ٧٥٧؛ في خواص السبعة التي هي أشرف الأعداد طبع، والسكردان في الأصل: خوان يوضع فيه الشراب، ذكره صاحب شفاء الغليل.
(٢) في السكردان: "المنصورية"، وبعدها: "وذلك في سنة ثمان وخمسين وثلاثمائة، من الهجرة النبوية الشريفة".
(٣) السكردان: "وأفهموا".
1 / 25