Huruf Latiniyya
الحروف اللاتينية لكتابة العربية
Noocyada
من أجل هذا سارعت (في الفقرة التاسعة) بالإشارة إلى ما قد يقوم من هذا التظنن الذميم، ووصفت مقترفيه بالبلادة واستنزلت عليهم غضب الله، في عبارة هي أشد ما في العربية من عبارات الزجر والقمع والاستبراء. قلت - كما ستقرؤه - بالحرف الواحد: «لعل البعض يتساءل: ما بال هذا الرجل ينحي هكذا باللائمة على العربية ويصعب من أمرها؟ ألعله يريد نبذها والاستعاضة عنها بلغة أجنبية من اللغات الحية؟» ثم أردفت هذا التساؤل بالإجابة الآتية: «حاش لله! وبعدا لهذا الظن البليد كما بعدت ثمود! وشقحا له وحجرا محجورا!»
ثم استطردت فبينت موقفي من الفصحى وموقفها مني. وأخذت من بعد في تقديم علل جنوحي إلى اتخاذ الحروف اللاتينية، وبينت طريقتي فيها، وفاضلت بينها وبين غيرها، ثم فصلت مزاياها، وأقمت أثناء البحث كل ما قدرت أن يرد من الشبه والاعتراضات ورددت عليها. ولم أحجم عن مجابهة كل بما تحسسته لديه من وجه اعتراض، وكل هذا في عبارات عربية صريحة لا مداورة فيها ولا التواء.
10
وسواء أكنت من النافرين من اتخاذ الحروف اللاتينية أم كنت من غير النافرين، فإني أنصح لك أن تقرأ بيان اقتراحي الذي طبعته لك مع هذا بنصه الحرفي،
1
وأن تجشم نفسك الصبر على القراءة في تؤدة وإمعان، مهما يكن الفارغون قد أوهموك بأنه من الضلالات. إن لك ولي فائدة في الأخذ بنصيحتي. أما فائدتك فإنك قد تكسب منه لعقلك ولخلقك الشيء الكثير، وليس لعاقل أن يأبى الاستفادة لعقله ولخلقه. والمسلم - على الخصوص - مكلف بطلب العلم ولو بالصين، وكل أهلها يوم هذا التكليف وثنيون، بل إن جامعاتنا أصبحت تدرس فيها الفلسفة، وأئمتها من جبابرة العقول المارقين، بل ليست هذه أول شردة للمسلمين؛ فإن كثيرا من رجال الصدر الأول لجئوا من قبل إلى الحكمة والفلسفة يغترفونهما من فيض عقول اليونانيين الملاعين.
وأما فائدتي فأن تتحقق أنت والمتصلون بك أن الناس إزاء هذا الاقتراح ثلاثة أفرقاء؛ فريق من الإمعات سماعون للكذب، لا يقرءون وإنما تصف ألسنتهم السوء تقليدا ورجما بالغيب. وفريق ثان يقرءون ولا يفهمون؛ لأن التفكير في موضوع اقتراحي يسمو على مستوى عقولهم، ولغة البيان أيضا فوق طاقتهم، لكن الواحد منهم إذا سئل عما قرأ حمله سوء خلقه وقلة بضاعته أن يدعي لنفسه ما ليس لها؛ فهو يزعم أنه فهم ما قرأ. ثم إذا سئل عما فهم لجأ إلى ما هو أوجز وأكثر انفهاما وقبولا عند العوام؛ إنه يقول: كل الحاصل من هذه الثرثة واللت والعجن أن صاحبها يريد أن ينبذ لغة القرآن. وإن استحيا شيئا ما قال: إنه يريد تغيير كتابة اللغة العربية، وأن يجعلها ككتابة يني وكرالمبو وكيرياكو من جرسونات قهاوي الأروام. أما الفريق الثالث فإنه يقرأ ويفهم، ولكن صدره يتطاحن فيه عاملان: عامل الإنصاف، وعامل ضرورات العيش أو إرضاء شهوة من شهوات الأمارة بالسوء. ومتى قضت ضرورات العيش أو شهوات النفس خرس عامل الإنصاف قليلا ثم عبس وبسر، ثم ولى مدبرا وتوارى. وهذا الفريق شر الثلاثة؛ لأنه يتناول العبارة فيعمد منها إلى ما ينفعه ويصد عما يضره، فهو ينتقر ويختزل ويمسخ ويشوه، ثم يبني على هذا الانتقار والاختزال والمسخ والتشويه ما شاء من شوامخ الأباطيل ويبيعها للناس. وهو في كل ذلك على بينة من إجرامه وشنيع إصراره، لا شيء يردعه من عقل أو من ضمير؛ إذ عامل الإنصاف حين ولى عنه قد مرض ومات وانقبر. ومهما يكن أهل هذا الفريق قد قرءوا «أن الحرة تجوع ولا تأكل بثدييها.» بل مهما يكن الله أنذرهم بأنه إنما يملي لهم ليزدادوا إثما، فإنهم لا يأبهون لذلك التبكيت ولا لهذا النذير. ألم يقرءوا أن الله إنما «يضع الموازين القسط ليوم القيامة» لا لما قبل يوم القيامة؟ أولم يسمعوا أن الحساب لن يكون إلا في الآخرة، وأن رحمة ربك وسعت كل شيء؟ أولم يحفظوا في كتب الهجاء أن عصفورا في اليد خير من كركي في جو السماء؟ وإذن فلينتهزوا شهود العاجلة وليسعوا لها سعيها وهم مجرمون، وليرفسوا تلك الآجلة التي كلها عليهم هم وغم وبلاء مبين. وكل هذه المحادة لله وللضمير، إنما يأتونها - على ما ترى - اجترارا لغنم حقير، أو إرضاء لشهوة من خسيس الشهوات. ألست معي في أنهم شر الثلاثة؟ ألا إن ابن حواء عيبة أعاجيب!
11
ذكرت في بياني صعوبات العربية، ونعيت على سوء رسمها الحاضر، وعلى زيادة الطريقة الجارمية لهذا السوء. وتعهدت بأن أكافئ جهد استطاعتي من يصل إلى طريقة لكتابة العربية بالحروف العربية ذاتها كتابة فيها يؤدي الحرف بذاته صورته الصوتية أداء صادقا (العبارة الأخيرة من فقرة 58).
2
Bog aan la aqoon