92

اتخذ النقاش ذلك المسار الذي تتخذه مثل هذه النقاشات، واكتسى صوت الكاهن - الذي كان قد بدأ بنبرة الأسى أكثر منه الغضب، بالرغم من أن صوته ينم دائما عن اقتناع في صلابة الحديد - برنة الإدانة والاستنكار ولهجة حادة تنم عن التوبيخ، بينما شعرت جولييت الآن - التي اعتقدت في البداية أنها كانت تقاوم آراءه وتتمرد على مفاهيمه بهدوء، ومهارة، وأدب جم - بقدر من الغضب اللاذع، وكلاهما ينقب عن الحجج والأفكار التي تسبب الإهانة وليس تلك التي تقنع الآخر.

وأثناء ذلك النقاش، كانت سارة تمد يدها لتتذوق القليل من البسكويت وهي لا ترفع بصرها نحوهما، وكانت تقشعر بين الحين والآخر ، كما لو كانت تصدمها كلماتهما، ولكنهما لم يلاحظا هذا.

وما أنهى ذلك العرض هو صراخ بينيلوبي العالي، التي استيقظت من نومها مبللة، وتذمرت على نحو هادئ للحظة، ثم عبرت عن تذمرها بصورة أقوى وبصوت أعلى، وأخيرا أطلقت العنان لغضبها. سمعتها سارة أولا وحاولت أن تلفت انتباههما.

فقالت بوهن: «بينيلوبي!» ثم بذلت جهدا أكبر: «جولييت، إنها بينيلوبي.» فنظر إليها كل من جولييت والكاهن بشرود، ثم قال الكاهن وقد هدأت حدة صوته: «طفلتك.»

أسرعت جولييت خارج الحجرة. كانت ترتجف وهي ترفع بينيلوبي، وكادت أن تؤذيها بالمشبك وهي تشبك حفاضها الجاف، فتوقفت بينيلوبي عن البكاء؛ ليس لأنها شعرت بالارتياح، بل لأنها انزعجت من ذلك الاهتمام الحاد المفاجئ. وقد نجحت عيناها الواسعتان المبللتان بالدموع، ونظرات الدهشة التي اعتلت وجهها، في أن تخرج جولييت من حالة الشرود والانشغال التي مرت بها. حاولت أن تهدئ من نفسها متحدثة برفق قدر ما استطاعت ثم حملت طفلتها إلى الردهة بالطابق العلوي وراحت تذرع المكان جيئة وذهابا بها. لم تطمئن بينيلوبي على الفور، ولكن زال التوتر منها بعد مرور بضع دقائق.

شعرت جولييت بنفس الشيء يحدث معها، وعندما اطمأنت إلى أن كليهما قد استعادا بعضا من الهدوء والسيطرة، حملت بينيلوبي وهبطت بها إلى أسفل.

خرج الكاهن من غرفة سارة وكان ينتظرها، فقال في صوت يشوبه بعض الندم وإن بدا منزعجا في حقيقة الأمر: «يا لها من طفلة لطيفة!»

قالت جولييت: «أشكرك.»

ظنت أنه يمكن لكل منهما توديع الآخر على نحو مناسب الآن، ولكن كان هناك شيء يمنعه من ذلك، فظل ينظر إليها دون أن يتحرك، فمد يده وكأنه سيضعها على كتفها، لكنه أنزلها. «أتدرين إن كان عندك ...» قالها ثم هز رأسه برفق، فقد تلعثم في قوله كلمة «عندك.» «بعض من العصير.» قال هذا ثم ربت بيده على حلقه، ثم أشار في اتجاه المطبخ.

ظنت جولييت في بادئ الأمر أنه لا بد وأن يكون ثملا، كانت رأسه تهتز قليلا للأمام والخلف، وبدت عيناه وكأنهما مغطاتين بغشاء رقيق. هل أتى إلى هنا وهو ثمل أم أنه أحضر معه شرابا في جيبه؟ ثم تذكرت إحدى الفتيات التي كانت طالبة في المدرسة التي عملت بها لنحو نصف عام. كانت تنتاب هذه الفتاة - المصابة بداء السكري - بعض النوبات المرضية، فتشعر بثقل في لسانها، وببعض الدوار لو ظلت بلا طعام لمدة طويلة.

Bog aan la aqoon