كانت جولييت في الحادية والعشرين من عمرها، وقد حصلت بالفعل على درجة الليسانس والماجستير في الكلاسيكيات، وتعكف في الوقت الحالي على تحضير رسالة الدكتوراه، ولكنها اقتطعت بعضا من وقتها من أجل تدريس اللغة اللاتينية في مدرسة خاصة للبنات في فانكوفر. ولم تتلق جولييت أي دورات تدريبية في التدريس، إلا أن ما جعل المدرسة تقدم على تعيينها هو خلو الوظيفة في منتصف الفصل الدراسي بصورة مفاجئة، وربما بسبب عدم تقدم أحد للإعلان المنشور، وكان المرتب أقل بكثير مما يتقاضاه أي مدرس مؤهل، ولكن جولييت كانت راضية بحصولها على أي نقود، بعدما أمضت سنوات كثيرة في المنح الدراسية الشحيحة.
كانت فتاة طويلة القامة، ذات بشرة بيضاء، ومظهر جميل، وشعر بني فاتح اللون لا ينتفش إذا ما طاله رذاذ الماء. كانت تشبه طالبات المدرسة النشيطات النابهات، رأسها دوما مرفوع عاليا، ولها ذقن دقيق مستدير، وفم عريض ذو شفاه رفيعة، وأنف أفطس، وعينان لامعتان، وجبهة تتوهج غالبا من فرط المجهود أو التقدير. وكان معلموها سعداء بها؛ فهم ممتنون لأي شخص يدرس اللغات القديمة هذه الأيام، وبخاصة إن كان هذا الشخص يتمتع بموهبة كبيرة، لكنهم كانوا يشعرون نحوها بالقلق في الوقت نفسه. وتكمن مشكلتها في كونها فتاة؛ فإذا ما حدث وتزوجت - وهو شيء قد يحدث بالطبع؛ حيث إنها لم تكن ذات مظهر سيئ بالنسبة لطالبة دراسات عليا - فإن كل مجهوداتها ومجهوداتهم ستضيع سدى، وإذا لم تتزوج فقد تصبح بائسة ومنعزلة ووحيدة وتفقد جاذبيتها لدى الرجال (الذين هم أيضا بحاجة إليهن؛ حيث إنه عليهم الإنفاق على عائلاتهم عكس النساء)، ولن تستطيع أن تدافع عن اختيارها الغريب لدراسة الكلاسيكيات، وأن تتقبل ما يراه الناس شيئا عديم الفائدة وكئيبا، ولن تنجح في التخلص من تلك الآراء مثلما يفعل الرجال؛ فالخيارات الغريبة تعد أسهل بالنسبة للرجال؛ حيث يجد معظمهم الكثير من النساء اللواتي يسعدن بالارتباط بهم، ولكن العكس ليس صحيحا بالنسبة للنساء.
وعندما عرضت عليها فرصة التدريس، حثها الكثيرون على الإقدام عليها قائلين إنه لشيء جيد بالنسبة لها أن تخرج للعالم، وتتعرف على الحياة الحقيقية.
وكانت جولييت معتادة على ذلك النوع من النصائح، ولكن الأمر المحبط بالنسبة لها هو أن تصدر تلك النصيحة من أولئك الرجال الذين لا يبدو عليهم أي أثر أنهم قد جابوا العالم الخارجي بشغف وإثارة. وفي المدينة التي نشأت بها، كان ذكاؤها يصنف وكأنه نوع من العرج أو كإبهام زائد لديها، وعلى الفور كان الناس يشيرون إلى العيوب والنواقص المتوقعة التي قد تصاحب هذا النوع من الذكاء - كعدم قدرتها على تشغيل آلة الحياكة، أو ربط طرد على نحو أنيق، أو ملاحظة أن ملابسها الداخلية قد تتكشف في بعض الأحيان. كانت المسألة تتعلق بما سيحل بها مستقبلا.
وقد حدث ذلك حتى لأبيها وأمها اللذين كانا يفخران بها. أرادتها أمها أن تكون شخصية مشهورة، ولتحقيق ذلك شجعتها على أن تتعلم رياضة التزلج والعزف على البيانو، ولكنها لم تفعل أيا منهما برغبتها ولم تتفوق فيهما. وكان كل ما يريده والدها هو أن تنسجم وتتكيف مع الوسط المحيط.
وكان يقول لها دوما: يجب أن تتكيفي مع من حولك، وإلا سيجعل الناس من حياتك جحيما (وهو بهذا يغفل حقيقة أنه هو ذاته ووالدة جولييت لا ينسجمان مع من حولهما تماما، ومع هذا فهما ليسا بتعيسين. ربما ساوره الشك في أن جولييت قد تكون محظوظة مثلهما).
بمجرد أن التحقت بكليتها قالت جولييت إنها تشعر بالفعل بالتوافق والانسجام، وإنها تشعر بالتوافق والانتماء مع من حولها في قسم الكلاسيكيات، وهي على ما يرام تماما.
ومن هذا القسم جاءتها نفس الرسالة، من أساتذتها، الذين كانوا يقدرون موهبتها، ومبهورين بها؛ فسعادتهم بها لم تخف قلقهم؛ فقد نصحوها بالخروج للعالم، يقولون ذلك كما لو أنها لم تكن تعيش في العالم حتى الآن، وكأنها كانت في اللامكان.
ومع هذا فقد كانت تشعر بالسعادة وهي في القطار.
إنها غابة «التايجا»، هكذا حدثت نفسها. لم تكن تعلم إن كانت هذه هي الكلمة الصحيحة التي تطلق على ما تتطلع إليه الآن. ربما واتتها - على صعيد ما - فكرة تخيل نفسها سيدة شابة في رواية روسية، تخرج إلى أرض غير مألوفة، مثيرة، باعثة على الرعب؛ حيث تعوي الذئاب في ظلمة الليل، وحيث تتقابل وقدرها، ولا تبالي إن كان من المرجح أن ينتهي المقام بذلك القدر - في الرواية الروسية - ليكون كئيبا أو مأساويا أو كليهما معا.
Bog aan la aqoon