وفي حقيقة الأمر، لم يكن ثمة مشكلة تتعلق بليزي. وقد حاول كلارك من جانبه أن يلطف الأمر حتى لا يفقد أعصابه، ولكن كانت جوي تاكر هي من انفجرت غاضبة، وقالت إن المكان ليس سوى مقلب للنفايات، وإن ليزي تستحق ما هو أفضل من ذلك، فرد كلارك قائلا: «افعلي ما يتراءى لك.» ولم تأخذ جوي ليزي من المكان - أو أنها لم تفعل بعد - كما توقعت كارلا. وقد رفض كلارك - الذي كان يعامل الفرس كأنها حيوانه الأليف - أن يواصل اهتمامه بها. وحزنت الفرس نتيجة لتغير المعاملة، فأصبحت أكثر عنادا وتشبثا أوقات التدريبات، وصارت تحدث جلبة كبيرة عند تقليم حوافرها، كما يفعلان كل يوم خشية نمو الفطريات. وكان على كارلا أن تحترس من عضة الفرس.
ولكن الشيء الأسوأ في اعتقاد كارلا هو غياب فلورا؛ وهي النعجة البيضاء الصغيرة التي تصاحب الخيل في الإسطبل وفي الحقول. فلم تلمح لها أثرا منذ يومين، وتخشى كارلا أن يكون أحد الكلاب الشرسة أو ذئاب القيوط قد افترسها، أو حتى أن يكون قد فتك بها دب.
كانت قد رأت فلورا في أحلامها الليلة الماضية والليلة قبل الماضية. في الحلم الأول رأت فلورا وهي تقترب نحو الفراش وفي فمها تفاحة حمراء، ولكن في الحلم الثاني - ليلة البارحة - جرت فلورا مبتعدة عندما رأت كارلا تتجه نحوها. وبدت رجلها مصابة، ورغم ذلك هرولت مبتعدة. قادت فلورا كارلا إلى حاجز من الأسلاك الشائكة من ذلك النوع الذي تراه في ساحة المعارك، ثم تسللت فلورا خلاله، وقد جرحت ساقها ومعظم جسدها، ولكنها انزلقت خلاله مثل ثعبان البحر الأبيض وغابت عن النظر.
لمحت الخيول كارلا وهي تمر عبر حلقة التدريبات، وتحركت جميعها حتى وصلت إلى السياج لكي تراها كارلا في اتجاه عودتها، وقد بدت الخيول متسخة بعض الشيء بالرغم من أغطيتها الجديدة الواردة من نيوزيلاندا. تحدثت إليها كارلا بصوت خفيض، واعتذرت لأنها جاءت خالية الوفاض. أخذت كارلا تربت على أعناقها وتمسح على أنوفها برفق وتسألها إن كانت تعلم شيئا عن فلورا.
أصدر جريس وجونيبر صهيلا عاليا، وراحا يحركان أنفيهما لأعلى كما لو أنهما قد أدركا الاسم ويشاركانها القلق، ولكن ليزي دفعت برأسها بينهما وأخذت تدق برأسها على رأس جريس حتى تبعدها عن يد كارلا التي تربت عليها، بل إنها عضت يدها، وأمضت كارلا بعدها بعض الوقت في توبيخها. •••
حتى ثلاث سنوات مضت لم تكن كارلا تفكر في أمر المنازل المتنقلة، بل إنها لم تكن تطلق عليها مثل هذا الاسم أيضا. ومثلها كمثل والديها، كانت تنظر إليها كشيء ينم عن التكلف والمظهرية؛ فهناك بعض الأفراد يعيشون في عربات سكنية جاهزة، هذا كل ما في الأمر. ولم تكن هناك عربة سكنية تختلف عن الأخرى؛ فكلهم سواء، ولكن عندما انتقلت كارلا للعيش هنا، واختارت هذه الحياة مع كلارك، بدأت ترى الأشياء بطريقة مختلفة، فأخذت تردد تعبير المنزل المتنقل، وتلاحظ كيف يجهزونه ويعدونه؛ تلاحظ مثلا أنواع الستائر التي يعلقونها، والطريقة التي يتم بها طلاء الأطراف التزيينية، وكيفية إعداد الأرضيات والأفنية الداخلية، وبناء المزيد من الغرف. ولم تطق صبرا حتى تدخل هي الأخرى تلك التحسينات.
وقد شاركها كلارك أفكارها لفترة؛ فقد قام بتركيب بضعة سلالم جديدة، فاستغرق بعض الوقت وهو يبحث عن درابزين من الحديد المطوع. ولم يشتك بشأن النقود التي أنفقها على طلاء المطبخ، أو دورة المياه، أو شراء بعض المواد اللازمة من أجل الستائر. وكانت كارلا تقوم بمهام الطلاء على عجل آنذاك، فلم تكن تعرف وقتها أنه ينبغي نزع مفصلات باب الخزانة قبل طلائها، أو أنه يتعين تبطين الستائر، التي بهت لونها الآن بعد مرور كل هذا الوقت.
ولكن الأمر الذي عارضه كلارك هو التخلص من الأبسطة، التي كانت متشابهة في كل غرفة، وهو الشيء الذي رغبت في تغييره بشدة. لقد كان البساط مقسما إلى مربعات بنية صغيرة، وكل مربع يحتوي على أنماط وخطوط مائلة وأشكال بنية اللون بلون الصدأ. وقد اعتقدت لفترة طويلة أن الخطوط المائلة والأشكال منظمة بنفس الطريقة داخل كل مربع، ثم كان لديها الوقت الكافي فيما بعد - بل وقتا طويلا - لكي تركز انتباهها وتتأملها جيدا، ثم فطنت إلى أن هناك أربعة نماذج وأشكال مجتمعة معا لتكون مربعات كبيرة متماثلة. وكانت تستطيع في كثير من الأحيان أن تلمح ذلك النسق بسهولة، وفي أحايين أخرى كانت تستغرق بعص الوقت لكي تتبينه مرة أخرى.
لقد كانت تفعل ذلك وقت سقوط الأمطار، وعندما يكون مزاج كلارك معتلا بدرجة تملأ المنزل بالكآبة، ولا يريد أن يعير اهتمامه لأي شيء سوى شاشة جهاز الكمبيوتر، فإنه كان من الأفضل بالنسبة لها أن تختلق أو تتذكر عملا تؤديه في الإسطبل. ومن عادة الخيل ألا تلتفت إليها عندما تبدو حزينة، ولكن فلورا - التي لم يكن من عادة كارلا أن تقيدها قط - هي الوحيدة التي كانت تقترب منها وتتمسح بها، وتنظر إليها بعينين خضراوين لامعتين تميل إلى الصفرة بتعبير هو أقرب إلى سخرية ودودة منه إلى التعاطف.
كانت فلورا لا تزال صغيرة عندما أحضرها كلارك من إحدى المزارع التي ذهب إليها لمساومة أصحابها على شراء أطقم للأحصنة، كان هؤلاء الأشخاص ممن سئموا حياة الريف، أو على الأقل من تربية الحيوانات، وقد أفلحوا في بيع الخيول، ولكنهم لم يستطيعوا التخلص من الماعز. كان كلارك قد سمع عن قدرة الماعز على جلب الإحساس بالراحة والطمأنينة داخل الإسطبل؛ لذا أراد أن يجرب ذلك، وكانا ينتويان أن يجعلا النعجة تتزاوج، ولكن لم تبد عليها أي من علامات البلوغ.
Bog aan la aqoon