كلما دخلت جولييت المنزل، كان أول شيء تفعله هو تفقد الضوء الوامض على جهاز الرد الآلي - نفس الشيء الذي اعتادت تجنبه، معتقدة أنه سيكون هناك من يزعجها بشأن تصريحاتها العامة. كانت قد جربت العديد من الحيل السخيفة، ذات الصلة بعدد الخطوات التي سارتها نحو الهاتف، وكيف رفعت السماعة، وكيف التقطت أنفاسها، وهي تقول في نفسها: «ليتها تكون هي.»
لم يجد شيء نفعا، وبعد فترة بدا العالم خاليا ممن كانت بينيلوبي تعرفهم؛ الرفقاء الذين تركتهم وهؤلاء الذين تركوها، الفتيات اللاتي شاركتهن أحاديث النميمة وربما وثقت فيهن. كانت قد ارتادت مدرسة داخلية خاصة للبنات فقط تدعى تورانس هاوس، ولم تذهب إلى مدرسة ثانوية حكومية، مما يعني أن معظم أصدقاء عمرها - حتى هؤلاء الذين ظلوا أصدقاءها في الجامعة - أتوا من خارج المدينة؛ فبعضهم من ألاسكا أو برينس جورج أو بيرو.
ولم تتلق رسالة منها في الكريسماس، ولكن في يونيو، تسلمت بطاقة أخرى، تشبه كثيرا سابقتها، بدون كلمة واحدة بالداخل. ارتشفت جولييت كأسا من النبيذ قبل أن تفتحها، ثم ألقت بها بعيدا على الفور. كانت تداهمها بين الحين والآخر نوبات من البكاء مع الارتجاف لا تستطيع أن تتحكم بها، ولكنها كانت تخرج من هذه الحالة إلى نوبات سريعة من الغضب؛ حيث تسير حول المنزل وهي تضرب بقبضة يدها على راحة اليد الأخرى. كان غضبها موجها إلى الأم شيبتون، ولكن صورة هذه السيدة ذوت في مخيلتها، وكان على جولييت أن تدرك في النهاية أنها المشجب الذي علقت عليه غضبها .
كل صور بينيلوبي كانت قد نقلت إلى غرفة نومها، بالإضافة إلى حزم من رسوماتها ولوحاتها التي لونتها بأقلام الشمع والفحم، والتي كانت قد رسمتها قبل مغادرة ويل باي، وكتبها، وجهاز إعداد القهوة الأوروبي الذي يعد فنجانا واحدا والمزود بكباس، والذي كانت قد اشترته كهدية لجولييت من أول راتب تقاضته من وظيفتها الصيفية في ماكدونالدز. وهناك مثل هذه الهدايا الغريبة التي وضعتها بالشقة؛ مثل المروحة البلاستيكية الصغيرة التي تلصق على الثلاجة، والجرار اللعبة ذي الزنبرك، والستارة من الخرز الزجاجي والمعلقة على نافذة دورة المياه. وقد ظل باب غرفة النوم مغلقا، وبمرور الوقت أمكنها المرور من أمامه دون شعور بالانزعاج. •••
فكرت جولييت كثيرا في مسألة الرحيل من هذه الشقة؛ بحيث يعمل المحيط الجديد على تهدئة أعصابها، ولكنها قالت لكريستا إنه ليس في مقدورها القيام بهذا؛ لأنه هو العنوان الذي تعرفه بينيلوبي، ولا يمكن تحويل البريد إلا لثلاثة شهور فقط؛ لذا لن تستطيع ابنتها العثور عليها.
قالت كريستا: «يمكنها دوما الذهاب إليك في العمل.»
قالت جولييت: «من يدري كم من الوقت سأظل هناك؟ إنها على الأرجح تعيش مع مجموعة غير مسموح لها بالتواصل مع الآخرين، وهم لديهم على الأحرى معلم روحي يمارس الجنس مع كل النساء ويرسلهن إلى الشوارع كي يشحذن. لو كنت قد أرسلتها إلى فصول الآحاد الدينية وعلمتها كيف تتلو صلواتها، ما كان هذا ليحدث على الأرجح. كان يجب علي القيام بهذا، كان يجب علي. لربما كان هذا كاللقاح. لقد أهملت روحانيتها. الأم شيبتون هي من قالت هذا.» •••
عندما كانت بينيلوبي بالكاد في الثالثة عشرة من عمرها، ذهبت إلى معسكر تخييم في جبال كوتيناي في بريتيش كولومبيا، مع صديقة لها من تورانس هاوس وأسرة الصديقة. راق هذا الأمر لجولييت؛ فلم تكن بينيلوبي قد أمضت سوى عام واحد في تورانس هاوس (التي قبلت بها بتسهيلات مالية جيدة؛ لأن والدتها سبق لها التدريس هناك)، وقد سعدت جولييت بالرحلة؛ لأن بينيلوبي أنشأت بالفعل صداقة قوية مع صديقة وتقبلتها بسرعة أسرة صديقتها. كانت سعيدة أيضا لأن ابنتها كانت ذاهبة إلى معسكر - وهو الشيء الذي كان الأطفال العاديون يفعلونه، ولكنها، أي جولييت، لم تتح لها الفرصة لفعله وهي طفلة. وليس معنى ذلك أنها كانت ترغب في هذا؛ حيث إنها كانت مدفونة وسط كتبها - ولكنها رحبت بأمارات تحول بينيلوبي إلى فتاة طبيعية، بخلاف ما كانت هي عليه.
كان إيريك قلقا من الفكرة برمتها، فظن أن بينيلوبي كانت صغيرة على مثل هذه الرحلة. لم ترق له فكرة ذهاب بينيلوبي في رحلة مع أشخاص لا يعرف الكثير عنهم. وبما أنها تذهب إلى مدرسة داخلية فهما لا يرونها كثيرا؛ فما الداعي لتقليص الوقت الذي يمضيانه معها؟
كان لدى جولييت سبب آخر؛ فقد أرادت إبعاد بينيلوبي في أول أسبوعين من الإجازة الصيفية؛ لأن الأمور لم تكن مستتبة بينها وبين إيريك؛ فأرادات أن تحل المشكلات بينها بين إيريك، ولكن ذلك لم يحدث. لم ترغب أن تدعي أن كل شيء كان على ما يرام؛ وذلك لأجل خاطر الطفلة.
Bog aan la aqoon