Xorriyadda Aadanaha iyo Cilmiga: Dhibaato Falsafadeed
الحرية الإنسانية والعلم: مشكلة فلسفية
Noocyada
وتوسع العلماء في تطبيق هذه الثنائية الموجية/الجسيمية على المادة والطاقة، أو الذرة والإشعاع معا، فلم يعد ثمة تعارض بينهما ولا حاجز، إنهما مظهران مختلفان، ويمكن أن يتخذ أحدهما صورة الآخر.
فتحت الميكانيكا الموجية الباب الاحتمالي اللاحتمي على مصراعيه، لتنطلق منه الفيزياء في طريق التقدم بسرعة مذهلة، فجاء إيرفين شرودنجر عام 1925-1926 ليتوغل في التفسير الإشعاعي لكل مكونات هذا العالم، وليوحد تماما بين صورتي الميكانيكا الجديدتين: ميكانيكا الكوانتم والميكانيكا الموجية، ثم اقترح ماكس بورن الفكرة القائلة إن الموجات لا تمثل أكثر من احتمال؛ فتعمقت جذرية التحول الاحتمالي، واستبدلت بفكرة «إذا كان ... فإن ... دائما» التي عرفتها الفيزياء الكلاسيكية، فكرة «إذا كان ... فإن ... بنسبة مئوية معينة»، وأصبحت المصادفة عنصرا في بنية الطبيعة.
واصل فيرنر هيزنبرج السير في هذا الطريق، فبين أن أدوات القياس تفرض قدرا من اللاتعين في التنبؤ بمسار الجسيم، أي استحالة التعيين الدقيق لموضع الإلكترون وسرعته في آن واحد، وصاغ هذا عام 1925 في مبدئه المعروف باسم مبدأ اللاتعين
Indeterminacy Principle ، الذي يعد الميلاد الثاني لنظرية الكوانتم، وفي الوقت نفسه المسمار الأخير في نعش الحتمية العلمية.
هكذا كان العالم الذري هو الذي شق لنا الطريق لنبرأ من وهم الحتمية، فهو يقر بالمصادفة والاحتمال الموضوعي، ولكنه طبعا كوزموس منتظم، ذو ثوابت عتيدة، تتضاءل - بل تذوي بجوارها ثوابت الحتمية الساذجة، ولن تلقي الحتمية همزة وصل بينه وبينها، فهو عالم عرف كيف يتحرر من داء البحث عن اليقين، فاتخذ الإحصاء منهجا يفضي به إلى تلك النتائج الاحتمالية الرائعة التي نلمس جبروتها في كل شيء بدءا من غزو الفضاء وقهر الأمراض الخبيثة حتى أدوات التسلية والترفيه، بغير الزعم بأن تنبؤاتها ضربة لازب أو قضاء مبرم أو كشف عن القدر المحتوم، عالم ليس بذي احتياج لاطراد الطبيعة ولن يتخبط أو ينهار بدونه كما يحدث لغير الراشدين، فلا يفرض على الطبيعة ولا يفترض فيها ضرورة، ولا ينشغل البتة بخرافة العلية ويحصر همه في العلاقات والارتباطات والتفسيرات - لا التعليلات، ويدرك تمام الإدراك أن الرياضة محض أداة عقلية خاوية، لا تبرر أية دعوى أنطولوجية، وهو الذي يملؤها بالمضمون، مضمون المتوسطات التي لا تزعم عمومية مطلقة ولا تبحث عنها، عالم يجعلنا ندرك سطحية التفسير الميكانيكي، فضلا عن فشله وعجزه، وندرك أكثر تفاهة الواحدية المادية التي تمخضت عنها حتمية نيوتن، فقد أصبحت المادة لا كتلا تثير حاسة اللمس فحسب بل كائنا غاية في الشفافية، مجرد إشعاعات من مركز ... على الإجمال إنه العالم اللاحتمي.
ويوما بعد يوم يؤكد لنا العالم الذري أن الاحتمالية واللاحتمية خير وأبقى، وأجدى من اليقين والحتمية ألف مرة، لقد تحطم هذا الوهم الطاغي الجبار تحت وطأة جسيمات الذرة المتناهية في الصغر.
على أن اللاحتمية
Indeterminism
ليست قصرا على العالم الذري، وليس العالم الأكبر الذي نحيا فيه بمنجاة منها، أو أنه لا يزال ساكنا بين أحضان قوانين علمية يقينية، كلا، فاللاحتمية أصبحت الآن عامة شاملة لمجمل نسق العلم، وأية ظاهرة في الكون تعطينا الحسابات من المعادلات الفيزيائية النتيجة المحتملة بشأنها ودرجة احتمالها، بمنتهى الدقة، مثلا، شروق الشمس غدا، في نظر العوام قضية حتمية، ولكنها في نظر العلم المعاصر تقع فقط في مجال احتمالية عالية جدا، بسبب ضخامة الشمس، شروقها غدا احتمال، وبالتالي عدم شروقها أيضا احتمال قائم، ولكن بنسبة ضئيلة جدا يمكن إهمالها.
بالعود إلى العالم الأكبر (الماكرو كوزم) نجد أن آينشتين قد أتانا بالنسبية، أول نظرية في التاريخ تحل محل نظرية نيوتن فتؤدي مهامها بصورة أكفأ وأدق، وقد بدأت من تجربة قام بها العالمان ميكلسون ومورلي، انتهيا منها إلى ثبات سرعة الضوء واستحالة الاستدلال على وجود الأثير، إنها كارثة حلت بالأثير، وقد كان - كما ذكرنا - فرضا ضروريا لكي يكتمل التفسير الميكانيكي للكون، ومن ثم فإن سقوط فرض الأثير بعد من أبعاد أزمة العلم الحتمي، وواحد من المؤشرات القوية التي آذنت بانهيار الحتمية العلمية.
Bog aan la aqoon