Xorriyadda Aadanaha iyo Cilmiga: Dhibaato Falsafadeed
الحرية الإنسانية والعلم: مشكلة فلسفية
Noocyada
بالطبع الحرية الأنطولوجية كائنة، والإنسان حر قبل العلم المعاصر وبعده، ولكن فضل العلم المعاصر في أنه خلص النظرة إلى الكون من افتراض الحتمية التعسفي، حين أدرك خطأه وقصوره، وأنه مرحلة متخلفة وجب تجاوزها ومواجهة العالم كما هو.
يقول هربرت ماركيوز عن المنهج الجدلي، الذي ينتقل من الفكرة إلى نقيضها إلى مركب شامل يجمع خير ما فيهما ويتجاوزهما، إنه يحرز التماسك الذي يتعلق بموقف الفكر نحو الحقيقة، وبهذا وجدنا أن الأمر فيه جدلية واضحة، لقد بدأ الإنسان حرا، وهذه هي القضية الأولى، وبفعل من أفعال الحرية انتقل إلى تصور حتمية شاملة تكفل تشييد صرح العلم، فكان النقيض المباشر للقضية الأولى، والآن وصل إلى مرحلة تجمع خير ما فيهما وتتجاوزهما، ربما أسفر التقدم فيما بعد عن مرحلة جديدة تماما، ولكن مهما حدث من تقدم وتغير، فلن تعود الحتمية أبدا، كما أثبتت تطورات العلم المعاصر، طالما كانت اللاحتمية تماما كالقول بأن الأرض ليست قرصا مسطحا ... أو بلا أدنى مجاز: هي ليست آلة ميكانيكية.
انتهى الحديث بأن العلم لا ينفي الحرية، ليس ذلك فحسب، بل إن العلوم الإنسانية المعاصرة تستلزم الحرية من أجل فهم أفضل وأعمق للظواهر الإنسانية، في مقابل العلم الحديث الذي كان إنكارا للحرية في بحثه عن العلل الحتمية، فكان الهروب منه ومن عالمه من أجل الحرية، أما الآن فإن الهروب من العلم هو ذاته الهروب من النظرة العقلانية المجدية للحرية، فلم الانشقاق على العقل والعلم وعالمه؟
وبعد ...
بل قبل، قبل كل شيء، منذ بدء البداية، من مجرد عنوان الكتاب بدا واضحا أننا اخترنا لهذه الرحلة الفلسفية طريق العقلانية، أولم ينص على تناول مشكلة الحرية الإنسانية من خلال المنظور العلمي؟ والعلم هو نجيب العقل الأثير ودرة العقلانية وآية الإيمان بالعقل، وكان الهدف أن ننتهي إلى عقلنة الحرية الإنسانية.
وقد رأينا كيف أن العلم ذاته لا سواه هو الذي خلق بمبدئه الحتمي مشكلة الحرية الإنسانية، أو بالأدق جعل منها معضلا غير قابل للحل، معضل: العلم/الحرية، الذي تبلور تماما في النصف الثاني من القرن الثامن عشر المسمى بعصر التنوير: عصر الإيمان المتطرف بالعقل والعلم، وبقدرتهما، هما فقط لا سواهما على فض كل مغاليق الوجود.
وفي أعقاب الحديث عن مواجهة الفلاسفة للمعضل، رأينا أن هذا الفصام بين العلم والحرية، قد تبناه رسميا واعتباريا وشرعيا الفلاسفة التنويريين، شيوخ الميتافيزيقا، وأئمة فلاسفة الحرية، في مذاهبهم الشامخة التي تحمل كبريات نظريات الحرية، وكلها كما رأينا لا تعدو أن تكون إقرارا بهذا الانفصام.
وقد كان هذا نقطة تحول خطيرة في تاريخ الفلسفة، سواء الخطورة بمعنى الأهمية، أو الخطورة بمعنى الأثر الوبيل، فقد أصبح السبيل الوحيد إلى الحرية الإنسانية التي لا تطاردها أية حتمية، إنما يكون فقط بالإعراض عن العلم وعن العقل الذي أنجبه، وعلى قدر ما يكون النيل من العقل والعلم، على قدر ما يكون الظفر بالحرية الإنسانية!
روعة العلم الحديث النظرية والتطبيقية ألهت التنويريين، ولكن كرد فعل متوقع لعقلانيتهم المتطرفة، تمخض عصر التنوير عن الحركة الرومانتيكية التي شغلت النصف الأول من القرن التاسع عشر، لتتطرف في الاتجاه المقابل، وتعمل على إحياء العاطفة والخيال والإحساس على حساب العقل والمنطق والعلم، فتحاول التأكيد على حرية الإنسان، في مقابل حتمية العلم.
والرومانتيكية وإن كانت أساسا رؤية فنية ونزعة أدبية، فإن جذريتها وشموليتها وتواتر شعرائها العظام وأقطابها المتمكنين، أمثال: كولريدج وشيلي ووردزورث ووليم بليك وتوماس كارليل وأيضا العملاق جوته ... هذا جعلها تخرج بمعان ورؤى لمقولات الفلسفة الأساسية: الحق والخير والجمال، ومن ثم انسحبت من الأدب إلى الفلسفة أيضا ، وهي في الأدب والفن تمثل الاتجاه المقابل للكلاسيكية، وفي الفلسفة الاتجاه المقابل للعقلانية.
Bog aan la aqoon