174

Halkan Qur'aanka

هنا القرآن - بحوث للعلامة اسماعيل الكبسي

Noocyada

فكل المعاني الجميلة التي أرادها الله لهذا البلد الحرام مجتمعة في كلمة الكعبة فهي البارزة الغير خافية وهي الناهده الغير جافية ، وهي مفصل الأرض ذات النجاح وعقدة اللقاء والانفراج وهي نقطة البداية للتكوير والانبعاج وهي مهد ونهد البسط والامتداد وهي معقد الشق والانشراق .وهي مركز الرتق والانفتاق وهي بكر الأرض (أول بيت وضع للناس) وهي مباركة وهدى للناس وهي قيام الناس ومثابة لأنها بارزة مشهورة رفيعة كاعبة. إن هذه الآثار والآيات الثاقبة ، وهي مهوى الناس قاطبة ، وهي مأمن لكل نفس راهبه ، وهي حاضرة في النفوس رغم أنها غائبة ، هذه بعض معاني الكعبة التي دلت عليها الكلمة ، ولها معاني تستظهر مع الأيام القادمة.

إذن أليس من الواضح أن تكون الكعبة في قوله تعالى (جعل الله الكعبة البيت الحرام) هو المنطقة الحرام ولهذا قال تعالى بعدها البيت الحرام فهو عطف بيان أو بدل وهذا يعني بلا شك أن الكعبة اسم للمنطقة الحرام كلها وليس للمبنى الصغير الذي تعرض للهدم والإصلاح والتصدع وللانزواء في مساحته وللتوسع كما حكاه لنا التاريخ وكما يعرف ذلك المتتبع.

أليس بعد هذا البيان أيها الأخوان نصل معكم إلى إن اسم الكعبة اسم له سعة وشأن ونصل إلى أن المعنى الأصح للكعبة هو اسم يطلق على كل المنطقة الحرام الواضحة الحدود والأركان المعلومة الشعائر والمكان .أرجو أن تقتنعوا بلا ريب ولا تردد بل بترحاب للمعنى الذي تجسد ، لعلي إلى هنا أصل بكم وقد أجهدتكم ولكنه جهد مفيد لي ولكم ، وإنه لجهد محبوب ، مشكور بإذن الله من ربكم ، فهو يحب من تدبر الآيات بإمعان ، وتذكر المعاني باطمئنان ، لقد اعتمد على القرآن ، الذي فيه البيان.ولعلي قبل الوداع أعود بكم إلى الدليل الواضح من القرآن على إرادة المعنى الجديد للكلمة فلقد قال الله عن الذي يقتل الصيد متعمدا وهو حرم قال (فجزاء مثل ما قتل من النعم يحكم به ذوا عدل منكم هديا بالغ الكعبة) فهل الكعبة بالمعنى المعهود لدينا ، هي التي يبلغها الهدي وينحر فيها ، كلا بل الهدي يبلغ إلى منى ، وهو محل النسك المعهود لنا ، والمعروف لمن نحر قبلنا.وهذا يعني أن منى جزء من الكعبة ، وعليه فالكعبة هي كل المنطقة التي ببكة الحرام ، ولهذا جاءت مبينة بعدها بلا انفصام بقول الله العلام: (البيت الحرام)

ثم وصف الجميع بقوله قياما للناس ثم عطف على الجميع قوله : (والشهر الحرام والهدي والقلائد) ثم بين لنا أن ذلك بعلم منه لأنه العليم بكلما خلق وعليم بما حكم به وأن حكمه هو المعمول به فقال : (ذلك لتعلموا أن الله يعلم ما في السماوات وما في الأرض وأن الله بكل شيء عليم) 97. ثم أكد أن العمل بالتحريم لهذه الكعبة والبيت الحرام أمر هام فقال (اعلموا أن الله شديد العقاب وأن الله غفور رحيم) المائدة 98 ، فلنكن حريصين على اجتناب العقاب الشديد الأليم ، ولنحاول التعرض للغفران والرحمة من الغفور الرحيم ، ولنكن على علم أن الله يعلم الظاهر والمكتوم ، ويجازي كل عبد بما يعمله فالرسول قد بلغنا بما أرسله وعلينا أن نتبع ما بلغ (ما على الرسول إلا البلاغ والله يعلم ما تبدون وما تكتمون) المائدة 99

وختاما أقول : وإذا كان معنى (الكعبة) كما عرفنا فإن من المؤكد لهذا المعنى في الأفهام هو أن هذا المقام المكعب البارز ، المبتكر الناهد ، المعروف المشهور ، لكل عابد ، هو مهوى القلوب ، إليه تنهد وتكعب أرحال ، واليه تشد وتكعب الأحمال ، وإليه ترد وتكعب الرجال ، وإليه تأتي كل ضامر يشوق من كل فج عميق ، ويحمل عليها الناس والثمرات بلا تعويق ، فالكعبة كعبة للناس في كل زمان ومكان ، إليها يكعبون ويبرزون ، وإليها ينهدون ويبهزون ، وإليها تقطع الفيافي والحزون ، وإلى مكعبها تتبارك الثمرات وتتواكب الرحلات ، وتتراكب السنوات ، وتتناكب الخطوات ، وتتحرك الأهواء والرغبات ، وتتشارك الجماعات والثبات ، وتتسامك الأحاد والزرافات ، فهي الكعبة التي لا تخفى على الأمم ، وتحفى عنها القدم ، وتحتفي بها الهمم ، وتحف بها القلوب ، وتخف إليها منذ القدم ، وستبقى هكذا إلى يوم تبدل الأرض غير الأرض ، وتخرج الذمم . بارك الله هذا المقام الأكرم ، وتبارك الله الذي جعلها كعبة ، وبهذا نسلم ، وقضى بأنها قيام للناس ومثابة وحرم ، وما حكم به وقضى فهو الحق لأنه بما في السموات والأرض يعلم ، ولأنه محيط علما بما يبدو وما يكتم ، وهو العليم بما يقضي ، والمحيط علما بكل شيء سماوي وأرضي ، ولقد فاز من لربه يرضي ولهداه يتبع باقتناع ، ولحكمه يسلم بحب بلا امتناع ، فالرسول قد بلغ و(ما على الرسول إلا البلاغ) وكل شيء سواه لغو وفراغ ، وكل حكم سوى حكم الله ضلال وظلام ، وكل قول سوى قول الله لباطل وحطام ، ألا إلى الله تصير الأمور ، وهو الرحيم الغفور.مفردة الكعبة ¶ أدعوكم الآن إلى كلمة أخرى هي (الكعبة) فلقد وردت في القرآن. فهل هي تعني هذا المبنى الذي رفع قواعده إبراهيم؟ وهل هي إذا وردت تطلق عليه؟ أم لها معنى آخر تدل عليه؟؟ لعلكم ستفاجئون إذا قلت لكم أن كلمة (الكعبة) لا تعني هذا المبنى الصغير أو المبنى الذي أقامه إبراهيم بل تعني شيئا آخرا. فما هو؟ انتظر الجواب يا أخي القارئ وتأمل الكلام تأمل أولى الألباب ، وأنا لا أسألك أن تستقبل كلامي بالترحاب ، حتى تتأكد من صحة القول وسلامة الأدلة وسأوردها من القرآن الذي هو علم الله . ¶ لقد وردت الكعبة مرتين في القرآن ، أي في آيتين فقط وفي سورة المائدة فقط ، هي أولا قوله تعالى :(جعل الله الكعبة البيت الحرام قياما للناس والشهر الحرام والهدي والقلائد ذلك لتعلموا أن الله يعلم ما في السماوات وما في الأرض وأن الله بكل شيء عليم) المائدة 97 ، أما الثانية فهي قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم يحكم به ذوا عدل منكم هديا بالغ الكعبة أو كفارة طعام مساكين أو عدل ذلك صياما ليذوق وبال أمره عفا الله عما سلف ومن عاد فينتقم الله منه والله عزيز ذو انتقام) المائدة 95 . ¶ إن المفسرين يقولون أن البيت الحرام في الآية الأولى رقم (97) هي عطف بيان للكعبة ، أو هي بدل على جهة المدح لا على جهة التوضيح ، لكن هذا التأويل غير مقنع لأن البيان أو البدل لا يأتي للمدح إلا قليلا أو نادرا ، لكن الواقع هو أن الكعبة هي نفسها البيت الحرام بمعناه العام الذي فهمناه فالبيت الحرام بدل أو عطف بيان للبيان لا للمدح ، فالأسلوب هنا يريد أن يقول لنا أن الكعبة اسم للبيت الحرام الذي يعني كل المنطقة الحرام ، بما يعني أن هذا البيت الحرام موصوف بأنه الكعبة. إذن فالكلام مبني على إشعارنا بمعنى جديد وحقيقة جديدة هي أن الكعبة قد بينت بأنها البيت الحرام ، فكلمة البيت الحرام عطف بيان أو بدل ، وهذا هو الفهم الأمثل ، ¶ وإذا اردنا الدليل فإن الآية الثانية التي وردت فيها كلمة الكعبة تقدم الدليل الذي لا ينكر بل يدعم ما نقوله بشكل واضح وأمثل فاقرءوا معي الآية 95 لتتضح لكم القضية يقول الله مخاطبا المؤمنين : (يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم يحكم به ذوا عدل منكم) إن الله يوجب على من قتل الصيد وهو حرم أن يكون جزاؤه حيوانا مقوما مثل الصيد المقتول ويكون من الأنعام يحكم به ذوا عدل من الناس أولى الأفهام ، فإذا تحدد هذا الجزاء فإنه سياق ينحر في مكان النحر المحدد وبالغا إليه بلا تردد ، ولهذا يقول موضحا هذا (هديا بالغ الكعبة ) هذا هو الجزاء لمن صاد وهو حرم. وهنا أسأل هل الهدي الذي ينحر يساق إلى غير منى؟؟ فلماذا قال الله (هديا بالغ الكعبة) فهل الكعبة أو المبنى الصغير بالمعنى الذي تفهمونه من التفاسير؟ هل هذه الكعبة بهذا المعنى هي محل النحر للهدي؟؟ كلا. بل محل نحر الهدي هو منى ، كما هو معروف لنا ولمن قبلنا ، أليس هذا الواقع الذي يعرفه الناس على المدى؟ فلماذا قال (هديا بالغ الكعبة)؟؟ ¶ إذن فإن (الكعبة) هي اسم آخر للبيت الحرام وهي اسم أراده الله ليدلنا على أن معاني هذا البيت متنوعة وأسمائه وسماته متعددة ، كما أن آياته غير محدودة ، فهو البيت الحرام وهو الكعبة ، بل وله أسماء أخرى وأوصاف أخرى تدل على الاهتمام ، سيتضح لكم ذلك فيما سيأتي من الكلام. أكتفي هنا بشأن (الكعبة) ، بهذا الدليل الواضح البيان لكل ذي عقل وجنان ، وممن تدبر القرآن بإمعان.. ¶ قد يسأل سائل إذا كانت كلمة (الكعبة) لا تعني المبنى الصغير الذي رفعه إبراهيم وأنها تعني كل المنطقة الحرام ، فلماذا تسمى هذه المنطقة كلها (الكعبة) ؟ إنه سؤال جيد .ولهذا تعالوا معي إلى معرفة معنى كعب في اللغة العربية ، ولن نطوف في كتب المعجمات ولكن لنقرأ ما جاء في المنجد فقط ، فمما قال في وسط المادة كعب كعوبا (الجارية نهد ثديها) كعب الأناه ثلاثة ، كعب الشيء جعله مكعبا ، الكعب جمعه كعوب كلما ارتفع من الأرض ، الشرف والمجد ، بل وقال الكعب كل مفصل للعظام : العظم الناشئ ، العظم الذي يلعب به ، العقدة من عقد الرمح ، الكعب في علم الهندسة : المجسم الذي له ستة سطوح مربعه متساوية ، كل بيت مربع الغرفة ، أكعاب نصوص النرد ، الكعبة بكارة الجارية جمعه كعاب ، يقال جاء به كعاب وكعب إذا نهد ثديها ، ويقال وجه مكعب إذا كان جافيا ناتئا ، ثم قال أخيرا "وهذا شيء هام في الموضوع" المكعب المجسم الذي له ستة سطوح مربعة متساوية وما كان على هيئته. وختم المادة بقوله : وفي الحساب (مكعب العدد) هو الحاصل من ضربه بمربعة ، فثمانية هو مكعب اثنين.هذا هو أهم ما جاء في المادة كعب وقد جاء ضمنها (الكعبة البيت الحرام بمكة) وليس المهم ما قاله عن الكعبة أو أين وضعها من المادة لكن المهم هو معنى المادة واشتقاقاتها فلو رجعنا نستقرء المعاني والمشتقات لوجدنا (البكارة) التي تعني البداية ولوجدنا العلو والرفعة ولوجدنا الاستدارة والتسديس والتربيع ولوجدنا البروز والظهور ولوجدنا الجمال والحسن ولوجدنا القوة والجلادة والفتوه والجفاف والتجمع والانضمام ثم التضاعف والتزايد الذي يعني البركة والنماء . ¶ فكل المعاني الجميلة التي أرادها الله لهذا البلد الحرام مجتمعة في كلمة الكعبة فهي البارزة الغير خافية وهي الناهده الغير جافية ، وهي مفصل الأرض ذات النجاح وعقدة اللقاء والانفراج وهي نقطة البداية للتكوير والانبعاج وهي مهد ونهد البسط والامتداد وهي معقد الشق والانشراق .وهي مركز الرتق والانفتاق وهي بكر الأرض (أول بيت وضع للناس) وهي مباركة وهدى للناس وهي قيام الناس ومثابة لأنها بارزة مشهورة رفيعة كاعبة. إن هذه الآثار والآيات الثاقبة ، وهي مهوى الناس قاطبة ، وهي مأمن لكل نفس راهبه ، وهي حاضرة في النفوس رغم أنها غائبة ، هذه بعض معاني الكعبة التي دلت عليها الكلمة ، ولها معاني تستظهر مع الأيام القادمة. ¶ إذن أليس من الواضح أن تكون الكعبة في قوله تعالى (جعل الله الكعبة البيت الحرام) هو المنطقة الحرام ولهذا قال تعالى بعدها البيت الحرام فهو عطف بيان أو بدل وهذا يعني بلا شك أن الكعبة اسم للمنطقة الحرام كلها وليس للمبنى الصغير الذي تعرض للهدم والإصلاح والتصدع وللانزواء في مساحته وللتوسع كما حكاه لنا التاريخ وكما يعرف ذلك المتتبع. ¶ أليس بعد هذا البيان أيها الأخوان نصل معكم إلى إن اسم الكعبة اسم له سعة وشأن ونصل إلى أن المعنى الأصح للكعبة هو اسم يطلق على كل المنطقة الحرام الواضحة الحدود والأركان المعلومة الشعائر والمكان .أرجو أن تقتنعوا بلا ريب ولا تردد بل بترحاب للمعنى الذي تجسد ، لعلي إلى هنا أصل بكم وقد أجهدتكم ولكنه جهد مفيد لي ولكم ، وإنه لجهد محبوب ، مشكور بإذن الله من ربكم ، فهو يحب من تدبر الآيات بإمعان ، وتذكر المعاني باطمئنان ، لقد اعتمد على القرآن ، الذي فيه البيان.ولعلي قبل الوداع أعود بكم إلى الدليل الواضح من القرآن على إرادة المعنى الجديد للكلمة فلقد قال الله عن الذي يقتل الصيد متعمدا وهو حرم قال (فجزاء مثل ما قتل من النعم يحكم به ذوا عدل منكم هديا بالغ الكعبة) فهل الكعبة بالمعنى المعهود لدينا ، هي التي يبلغها الهدي وينحر فيها ، كلا بل الهدي يبلغ إلى منى ، وهو محل النسك المعهود لنا ، والمعروف لمن نحر قبلنا.وهذا يعني أن منى جزء من الكعبة ، وعليه فالكعبة هي كل المنطقة التي ببكة الحرام ، ولهذا جاءت مبينة بعدها بلا انفصام بقول الله العلام: (البيت الحرام) ¶ ثم وصف الجميع بقوله قياما للناس ثم عطف على الجميع قوله : (والشهر الحرام والهدي والقلائد) ثم بين لنا أن ذلك بعلم منه لأنه العليم بكلما خلق وعليم بما حكم به وأن حكمه هو المعمول به فقال : (ذلك لتعلموا أن الله يعلم ما في السماوات وما في الأرض وأن الله بكل شيء عليم) 97. ثم أكد أن العمل بالتحريم لهذه الكعبة والبيت الحرام أمر هام فقال (اعلموا أن الله شديد العقاب وأن الله غفور رحيم) المائدة 98 ، فلنكن حريصين على اجتناب العقاب الشديد الأليم ، ولنحاول التعرض للغفران والرحمة من الغفور الرحيم ، ولنكن على علم أن الله يعلم الظاهر والمكتوم ، ويجازي كل عبد بما يعمله فالرسول قد بلغنا بما أرسله وعلينا أن نتبع ما بلغ (ما على الرسول إلا البلاغ والله يعلم ما تبدون وما تكتمون) المائدة 99 ¶ وختاما أقول : وإذا كان معنى (الكعبة) كما عرفنا فإن من المؤكد لهذا المعنى في الأفهام هو أن هذا المقام المكعب البارز ، المبتكر الناهد ، المعروف المشهور ، لكل عابد ، هو مهوى القلوب ، إليه تنهد وتكعب أرحال ، واليه تشد وتكعب الأحمال ، وإليه ترد وتكعب الرجال ، وإليه تأتي كل ضامر يشوق من كل فج عميق ، ويحمل عليها الناس والثمرات بلا تعويق ، فالكعبة كعبة للناس في كل زمان ومكان ، إليها يكعبون ويبرزون ، وإليها ينهدون ويبهزون ، وإليها تقطع الفيافي والحزون ، وإلى مكعبها تتبارك الثمرات وتتواكب الرحلات ، وتتراكب السنوات ، وتتناكب الخطوات ، وتتحرك الأهواء والرغبات ، وتتشارك الجماعات والثبات ، وتتسامك الأحاد والزرافات ، فهي الكعبة التي لا تخفى على الأمم ، وتحفى عنها القدم ، وتحتفي بها الهمم ، وتحف بها القلوب ، وتخف إليها منذ القدم ، وستبقى هكذا إلى يوم تبدل الأرض غير الأرض ، وتخرج الذمم . بارك الله هذا المقام الأكرم ، وتبارك الله الذي جعلها كعبة ، وبهذا نسلم ، وقضى بأنها قيام للناس ومثابة وحرم ، وما حكم به وقضى فهو الحق لأنه بما في السموات والأرض يعلم ، ولأنه محيط علما بما يبدو وما يكتم ، وهو العليم بما يقضي ، والمحيط علما بكل شيء سماوي وأرضي ، ولقد فاز من لربه يرضي ولهداه يتبع باقتناع ، ولحكمه يسلم بحب بلا امتناع ، فالرسول قد بلغ و (ما على الرسول إلا البلاغ) وكل شيء سواه لغو وفراغ ، وكل حكم سوى حكم الله ضلال وظلام ، وكل قول سوى قول الله لباطل وحطام ، ألا إلى الله تصير الأمور ، وهو الرحيم الغفور.

مفردة البيت

هل المراد به تلك العمارة الصغيرة المربعة وسط المباني المستحدثة المحيطة بها؟؟ هذا ما يفهمه الناس ، وهذا ما شاع بين المفسرين ، ولكن هل هذا فهم صحيح يتفق مع القرآن المبين؟؟ تعالوا معي نتبين الآيات ولا بد أن نصل إلى معنى آخر يخالف فهم الأولين . البيت في اللغة أولا هو المكان الذي يؤمن للإنسان البيات في أمان ، والسكن باطمئنان ، فهو مأخوذ من البيات أي السكون ليلا فأطلق على كل مكان يؤمن الليل للإنسان بيتا ، فهو مصدر بات يبيت يقال بات يبيت بياتا ، ولهذا جاء قولة تعالى (أفأمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا بياتا وهم نآئمون) الأعراف 97 . ثم أطلق البيت بشكل موسع على كل مكان يضمن للإنسان الأمان والسلام في الأرض ولو في الليل أو النهار ولهذا قال الله لقوم صالح (وتنحتون الجبال بيوتا) الأعراف 74 (وتنحتون من الجبال بيوتا فارهين) الشعراء 149 (والله جعل لكم من بيوتكم سكنا وجعل لكم من جلود الأنعام بيوتا تستخفونها يوم ظعنكم ويوم إقامتكم ومن أصوافها وأوبارها وأشعارها أثاثا ومتاعا إلى حين) النحل 80 ، ومع هذا التحول في معنى البيت فقد تحول إلى معنى أوسع هو المنطقة أو المدينة أو القرية التي يسكنها الإنسان ولهذا قال الله عن النحل (وأوحى ربك إلى النحل أن اتخذي من الجبال بيوتا ومن الشجر ومما يعرشون) النحل 68 ، وليس المراد هنا إلا أن تتخذ الجبال والشجر بيوتا ومن ما يعمله لها الناس من المزارع والمواقع الواسعة ، إذن فليس المراد بالبيت هنا هو مكان الخلية الصغير للنحل ولكن مكان الإنطلاق والأمان والسلوك في الأماكن بإطمئنان . فالجبال الشامخة وما حولها قد تتخذها وتختارها لها بيوتا آمنه وقد تختار الأشجار والغابات الملتفة بيوتا تكون فيها منطلقة وكامنة وسالكة وآمنة .

وعلى هذا الأساس يقول الله لرسوله محمد وهو يخرج إلى بدر (كما أخرجك ربك من بيتك بالحق وإن فريقا من المؤمنين لكارهون) الأنفال 5 ، فالمراد بالبيت هنا هو المدينة بأكملها لأنها أهله وأحبابه وأنصاره وأصحابه ولهذا قال له في آية أخرى عند خروجه إلى أحد (وإذ غدوت من أهلك تبوىء المؤمنين مقاعد للقتال والله سميع عليم) آل عمران 121، وهكذا أطلق البيت على الأهل ثم المدينة بأكملها لأنها محببة إليه كأهله ومأمنه كبيته وإذا كان هذا في شأن النبي وحده وفي شأن النحل وحدها فكيف يكون فهمنا لمعنى البيت الذي هو للناس أجمعين. إنه لا بد أن يكون معناه مكانا كبيرا واسع الأبعاد ، له حدود معروفه متباعدة ، وعلى هذا الأساس نفهم أن البيت حين يطلق في الآيات المتعلقة بمكة لا يعني إلا المنطقة الحرام كلها ولا يعني إلا كل المواقع التي تقام فيها المناسك وتؤدى ،

فالبيت يطلق على ما يقع داخل حدود مواقيت الإحرام المعروفة للشامي واليماني والعراقي وسواها والمحددة في كتب الفقه فالبيت هو مكة وما حولها من المناطق الحرام ومن مشاعر الحج والإحرام .هكذا يجب أن نفهم البيت وهكذا يجب أن يكون معلوما لذوي الأفهام . فهو لا يعني البناية والحجرة الصغيرة التي تتوسط المباني المعدة للصلاة (المسماة بالحرم) ولا يعني أيضا المباني المستحدثة المحيطة لأنها تستحدث وتتوسع في كل زمان فلو أطلقنا البيت عليها لكان المعنى أن من هدم جدارا ووسع فكأنما هدم البيت الحرام ، وهذا غير صحيح ولصار المعنى أن من صلى قبل التوسع في المباني الحالية لم يصل في البيت الحرام وهذا غير صحيح ، إن البيت الحرام هو كل المنطقة الحرام وكل المشاعر الحرام المحددة المعالم منذ أقدم الأيام ومنذ آلاف الأعوام .

قد تسألون عن الدليل على ما أقول ،، وأنا أسألكم أولا :هل أنت أيها الحاج تنحر الهدي في المبنى الصغير المسمى الكعبة أو تحمله إليه؟؟ كلا إنما تنحره في منى وتحمله وتنحره هناك وإذا كان الأمر كذلك فاسمع ما يقول الله "ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب لكم فيها منافع إلى أجل مسمى ثم محلها إلى البيت العتيق) الحج 33 ، أين هو البيت العتيق هل هو الكعبة الصغيرة إذن فقد سمى الله محل النحر وهو منى البيت العتيق ، يعني أنه من البيت العتيق.فللحاج أن ينتفع بالهدي ما دام سائر إلى مكة ثم إذا نحره فلا ينحره إلا في المحل المحدد للإحلال وهو منى والذي هو كائن بشكل جزء من (البيت) فإذا نحرت فيه فقد نحرت في البيت.. وبعد فهل في هذا بيان أم تريدون المزيد من البيان .ها أنذا أتلو عليكم قول الله على لسان إبراهيم عليه السلام (ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم) إبراهيم 37، فقل لي هل يريد إبراهيم بالإسكان لبعض ذريته عند البيت هذا المبنى الذي نراه الآن ؟؟ إذا كان يريد ذلك فلما قال (بواد غير ذي زرع) إذن فالإسكان كان في مكة كاملة التي هي محرمة ، بحدود معلمه ، وهي البيت المحرم الذي أراده إبراهيم. قد تقولون ألم يقل (عند بيتك) فمعنى هذا أن الإسكان كان عند أو قرب هذا المكان الصغير الذي نراه يتوسط العمران .ولكن كلمة عند لا تعني القرب ولكنها تعني الظرفية أي في بيتك المحرم لكنه استعمل كلمة عند ليؤكد اختلاطه بالمكان المحرم كله والتزامه به وحصر إقامته عليه (بواد غير ذي زرع ) ولذلك فهو يسأل الله أن يرزق ذريته من الثمرات وأن يجعل أفئدة الناس تهوي إليهم ثم يعلل الإقامة بأنها ليقيموا الصلاة والصلاة هي الطاعة والالتزام بحرمة المقام. فلا يعتدون ولا يصطادون ولا يفسدون ولا يطلمون .ولا يريدون إلحادا لظلم ولا يتجاوزون ما هو محرم بل يتقون ويشكرون المنعم ويتطهرون ويطهرون الحرم وهكذا عهد الله إليه بما يدل على أن المراد بالبيت هو الحرم كله (أن طهرا بيتي للطائفين والعاكفين والركع السجود) البقرة 125، فهل المراد بالبيت هو المكان الصغير؟ أم المنطقة الحرام كلها إلى أطراف حدودها؟ إن الثاني هو المراد بلا شك والدليل عليه قوله للطائفين وهم الذي يطوفون عند الوصول إلى مكة والعاكفين وهم الذي يقفون في عرفات والركع والسجود وهما الذين يذكرون الله في منى أيام التشريق. وعلى هذا الأساس فإن علينا أن نفهم قول الله تعالى في سورة الحج (وإذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت) الحج 26 بأن المعنى : عرفنا لإبراهيم مكان البيت أو حددنا لإبراهيم مكان البيت لأن بوأ تعني أسكن لقوله تعالى (ولقد بوأنا بني إسرائيل مبوأ صدق) لكن حرف الجر "وهو اللام" في آية الحج (بوأنا لإبراهيم) ضمن الفعل معنى جديدا مضافا إلى معناه الأصلي ذلك المعنى الجديد هو(عرفنا أو حددنا) على أن الفعل قد يكون بمعنى مكناه إذا جاء بعده حرف الجر (في) مثل قوله تعالى لقوم صالح (واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد عاد وبوأكم في الأرض) الأعراف 74. أي مكنه في الأرض وعليه فإن آية الحج تعني (وإذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت) أي عرفناه حدود هذا البيت بحيث يكون ما بين هذه الحدود هو البيت الحرام ولهذا جاء بعدها : (وطهر بيتي للطائفين والقائمين والركع السجود) الحج 26 ولا يمكن أن يكون المراد بالبيت هو المبنى الصغير لأن الطائفين والعاكفين والركع والسجود هم الذي يقودون مناسك الطواف والوقوف بعرفات والإقامة للصلاة والذكر والنحر في منى وهذه هي المشاعر الحرام ، أو هذه هي مكونات البيت الحرام .

Bog aan la aqoon