فهو النصير والمجير وهو الملاذ وإليه المصير وهو المعين القوي الغني لعبده الضعيف الفقير، وأن يوسف بأن يكون الله وليه لجدير، فهذا هو الملك الكبير، (ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون * الذين آمنوا وكانوا يتقون * لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة لا تبديل لكلمات الله ذلك هو الفوز العظيم) [يونس: 62-64].
ولا شك أن يوسف بأن يكون من أولياء الله لجدير، وذلك هو الفوز العظيم الذي حرص عليه في دعائه فتمكينه في الأرض وتصرفه في خزائنها وغلالها وتصريف أمورها حيث يشاء لا يعني له شيئا سوى ابتغاء وجه ربه الأعلى، والفوز برضاه في الأخرى، ولسوف يرضى.
أليس هذا هو ميزان العلم والعلماء؟ لا من صفات الملوك والأثرياء الذين عهدناهم يرضون بالحياة الدنيا ويطمئنون بها.
بلى بلى، وعلى هذا فالملك الذي أعلنه يوسف واعترف لله بأنه قد أوتي منه إنما هو العلم الذي عرفناه معه من بداية الرحلة ومستهل القصة حتى نهايتها الكريمة.
هل بعد هذا البيان أستطيع أن أحصل منكم على الموافقة على أن الملك بضم الميم هو العلم والعرفان لا بالجاه والسلطان؟
وهذا هو الملك العظيم الذي ناله آل إبراهيم من ربهم العليم الحكيم وهو فضل يختص به الله كل عبد جاءه بقلب سليم.
قد يقول قائل:
قد نسلم لك أن الملك الذي أوتيه إبراهيم ويوسف هو العلم كما عرضت ذلك علينا.
لكنا نجد السورة هنا سورة يوسف تذكر (الملك) وتعني به صاحب الأمر والسلطة في مصر، وهو الذي استوزر يوسف وجعله على خزائن الأرض فيوسف يقصد بالملك هذا المنصب الذي تولاه.
ولكني أقول: إن كلمة ملك من كل السورة استعملت في معناها المتعارف عليه فهي حقيقة عرفية وهذا معمول به في اللغة العربية، ثم كان يوسف هنا لا يقصد إلا العلم ولهذا قال: (من الملك) مع أنه قد أوتي بالمفهوم العرفي كل الملك فهو المتصرف في أمور مصر كلها يتبوأ من أرضها حيث يشاء ويدبر الحكم كما رسم ابتغى.
Bog aan la aqoon