لقد أصبح محط ثقة للفتوى وملجأ اطمئنان لكشف أسرار الرؤيا، والإنباء عما يخفى.
لكن يوسف لا يخفي ما لديه من علم بل يبديه، ولا يكتفي بذلك بل يستغل سؤال الفتيين للفتيا، ويستعرض أمامهما ما لديه من علم وعطاء، لا يقصد بذلك الرياء والخيلاء ولكن يريد بذلك إظهار نعمة الله عليه ليتمكن من دعوتهما إليه.
ومن هنا ندرك أن ما لديه من علم وحكمة قد عززا في السجن بالنبوة فإذا به يدعو إلى الله على بصيرة.
فالعلم معه رفيق، وهو بربه معتصم بشكل وثيق وإليه يدعو بأسلوب لطيف رفيق.
لنستمع إليه كيف يستعرض ما لديه من ربه قبل أن يفتي الفتيين في الأمر الذي قصداه بسببه:
(قال لا يأتيكما طعام ترزقانه إلا نبأتكما بتأويله قبل أن يأتيكما) فلقد أصبح في السجن رسولا نبيا.
ألا تراه قد أصبح يخبر الناس بما كان غيبا خفيا وهو من علم ربه الذي كان به حفيا، فلا يظهر على غيبه أحدا إلا من ارتضى من رسول.
وهكذا نجد يوسف بعد أن يفاجئ الفتيين بهذا الخبر الهام وبهذا العلم العظيم يعيد ذلك إلى ربه الكريم فيقول: (ذلكما مما علمني ربي) فهو علم علمه ربه وليس له من سبب إلا توحيده وعدم الشرك به، (إني تركت ملة قوم لا يؤمنون بالله وهم بالآخرة هم كافرون)
فهو عبد شاكر موحد ولربه ذاكر عابد، والناس مدعوون لهذا المقام بشكل عام فإن فضل الله متاح لكل من قال ربي الله ثم استقام، ولكن أكثر الناس غافلون عن هذا الطريق الشاكر، جاهلون لهذا المقام العامر، ولهذا فها هو يوسف يدعو الفتيين إلى هذا الطريق المحبوب، ويحثهما عليه بأروع أسلوب فيقول: (ياصاحبي السجن أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار * ما تعبدون من دونه إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان إن الحكم إلا لله أمر ألا تعبدوا إلا إياه ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون) [وسف:40].
فعبادة الله وحده هو العلم الذي يدعو إليه يوسف، وهو شأن كل ذي عقل ولب، ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
Bog aan la aqoon