وإذا كان يعلم من الله ما لا يعلمون؛ فإنه يواصل الحديث معهم فيقول: (أوعجبتم أن جاءكم ذكر من ربكم على رجل منكم لينذركم ولتتقوا ولعلكم ترحمون) [الأعراف:63]
بل إن هودا يؤكد نفس المعنى إذ يقول لقومه وقد رموه بالسفاهة (قال ياقوم ليس بي سفاهة ولكني رسول من رب العالمين * أبلغكم رسالات ربي وأنا لكم ناصح أمين )
ثم يقول: (أوعجبتم أن جاءكم ذكر من ربكم على رجل منكم لينذركم واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد قوم نوح وزادكم في الخلق بسطة فاذكروا آلاء الله لعلكم تفلحون) [الأعراف:67و68و69].
فماذا يعني لكم الذكر في قولي نوح وهود؟
إنها تعني العلم لا غير؛ ذلك أنهما أبلغا قومهما رسالات ربهما وما الرسالات إلا علم جديد من عند الله لم يكن هؤلاء الجهلاء يعلمونه إلا بواسطة الرسل.
وهل هناك جهل أشد وأظلم من قول قوم هود وقد بلغهم أن لا يعبدوا إلا الله فماذا قالوا؟ استمعوا هذا الجهل المطبق: (قالوا أجئتنا لنعبد الله وحده ونذر ما كان يعبد آباؤنا فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين) [الأعراف:70]
إنهم يتمسكون بعادات آبائهم وضلالهم المهلك ويذرون عبادة الله وحده وهو الحق الذي يخرجهم من الخوف والذل ويمنحهم حياة مخلدة.
أليس هذا هو الجهل بلا حدود؟ بلى بلى إنه البهتان والتمسك بما لم ينزل به الله من سلطان، وهذا هو العمى والضلال والهوان.
إذن فالذكر الذي جاء به نوح وهود لم يكن إلا العلم الذي استنكره الجهلاء وارتضوه وكذبوا الرسول وضللوا الأول والثاني سفهوه، ألا إنهم هم الضالون وهم السفهاء ولكن لا يعلمون.
ولكي نؤكد الموضوع أكثر فالله يقول في أول سورة (ص) (ص والقرآن ذي الذكر) أي: ذي العلم، وعلى هذا فالله يقول في آخر السورة نفسها (إن هو إلا ذكر للعالمين * ولتعلمن نبأه بعد حين)
Bog aan la aqoon