Hurnimo si loo Qaato Neefsasho
هدنة لالتقاط الأنفاس
Noocyada
بدأ الناس في الانصراف، وكان ويتشيت يوصل المحاضر إلى المنزل. وانطلق الشيوعيون الثلاثة والشاب اليهودي إلى الشارع معا، وكانوا يتحدثون مرة أخرى عن التضامن البروليتاري وجدلية الجدل وما قاله تروتسكي في عام 1917. كانوا جميعا سواء في الواقع. وكانت ليلة رطبة وهادئة وشديدة السواد. بدت مصابيح الشارع معلقة في الظلام كالنجوم، ولم تكن تضيء الطريق. وعلى مسافة بعيدة، كان يمكنك سماع صوت القطارات على طول هاي إستريت. أردت أن آخذ مشروبا، ولكن الساعة كانت قد شارفت على العاشرة وكانت أقرب حانة على مسافة نصف ميل. إلى جانب ذلك، أردت أن أتحدث إلى شخص ما، ولكن على النحو الذي لا يمكنك فعله في الحانات. كان من المضحك كيف أن رأسي كان مشغولا طوال اليوم؛ جزء من ذلك يرجع إلى أنني لم أذهب إلى العمل، بالطبع، والجزء الآخر بسبب حصولي على طقم أسناني الجديد، الأمر الذي أنعشني نوعا ما. كنت طوال اليوم منخرطا في التفكير في المستقبل والماضي. كنت أريد الحديث عن الأوقات السيئة التي ستأتي أو لن تأتي، عن الشعارات والقمصان الملونة والحشود المنظمة من أوروبا الشرقية الذين سيدمرون إنجلترا العجوز. وكان من غير المجدي التحدث إلى هيلدا، ولكن فجأة خطر ببالي أن أذهب بحثا عن العجوز بورتيوس، وهو صديق لي يسهر لساعات متأخرة من الليل .
بورتيوس هو مدير سابق بمدرسة عامة، ويعيش في شقة، لحسن الحظ أنها في النصف الأسفل من أحد البيوت، في الجزء القديم للبلدة، بالقرب من الكنيسة. وهو أعزب بالطبع، فلا يمكنك أن تتخيل هذا النوع من الرجال متزوجا؛ فهو يعيش وحده تماما مع كتبه وغليونه، وتأتيه امرأة لخدمته. إنه رجل مثقف، ويتقن اليونانية واللاتينية والشعر وكل تلك الأمور. أعتقد أنه إذا كان فرع نادي كتاب اليسار المحلي يمثل التقدم، فإن العجوز بورتيوس يمثل الثقافة، وليس لأي منهما تأثير في غرب بلتشلي.
كان الضوء متوهجا في الغرفة الصغيرة التي يجلس فيها العجوز بورتيوس للقراءة طوال ساعات الليل. وعندما طرقت الباب الأمامي، أتى ليفتح لي بمشيته الرشيقة المتهادية كما هو حاله دائما، وكان غليونه بين أسنانه وأصابعه في كتاب ليحفظ مكان توقفه عن القراءة. إنه شديد الجاذبية، وفاره الطول، وذو شعر رمادي مجعد، ووجه رفيع حالم وشاحب بعض الشيء؛ ولكنه يشبه على الأرجح وجه صبي، على الرغم من أن عمره لا بد أنه يقترب من الستين. من الغريب كيف يمكن لرجال المدارس العامة والجامعات هؤلاء الاحتفاظ بهيئتهم الشبابية حتى يوم مماتهم. إنه شيء يوجد في حركاتهم. لقد كانت للعجوز بورتيوس طريقة في التحرك ذهابا وإيابا، بوجهه الوسيم وشعره المجعد الأشيب، مع ميله إلى الوراء قليلا ما يجعلك تشعر أنه منسجم مع قصيدة ما، وغير واع لما يحدث حوله. لا يمكنك النظر إليه إلا وترى الطريقة التي عاش بها كما لو أنها مكتوبة على كل جزء فيه. المدرسة العامة، ثم أكسفورد، ثم رجوعه إلى مدرسته القديمة للعمل مدرسا بها. لقد عاش طوال حياته في أجواء من اللاتينية واليونانية والكريكت. وهو شديد الذوق والتأنق. كان يرتدي دائما سترة قديمة من صوف التويد الفاخر، وبنطالا رماديا قديم من قماش الفلانيلة الذي يحب أن تقول عنه إنه «معيب»، ويدخن الغليون ويحتقر السجائر؛ وعلى الرغم من أنه يسهر نصف الليل، أراهن على أنه يأخذ حماما باردا كل صباح. وأعتقد أنني من وجهة نظره شخص يعوزه التهذيب؛ فأنا لم أذهب إلى مدرسة عامة، ولا أعرف اللاتينية، ولا حتى أريد أن أتعلمها. يخبرني أحيانا أنه من المثير للشفقة أنني «عديم الإحساس بالجمال»، ما أعتقد أنها طريقة مهذبة لأن يقول لي إنني لم أتلق أي تعليم. على الرغم من ذلك فأنا أحبه؛ فهو شديد الكرم، وهو جاهز دائما لاستقبالك والحديث معك لساعات، ولديه دائما شيء لتشربه. عندما تعيش في منزل كمنزلنا، تغزوه بشكل أو بآخر النساء والأطفال، فمن الأفضل لك أن تخرج منه أحيانا إلى أجواء العزوبية، حيث الكتب والغلايين والمدفأة، والشعور الأكسفوردي الراقي بأن لا شيء مهما سوى الكتب والشعر والتماثيل اليونانية، وأن لا حدث جديرا بالذكر منذ نهب القوطيين روما، أحيانا يكون ذلك مريحا أيضا.
قادني إلى الكرسي الجلدي القديم ذي المسندين بجوار المدفأة، وسكب لي بعض الويسكي والصودا. لم أر قط غرفة معيشته إلا وهي معتمة بدخان الغليون. السقف أسود تقريبا. إنها غرفة صغيرة بعض الشيء، وباستثناء الباب والنافذة والمساحة أمام المدفأة، كانت الجدران مغطاة بالكتب من الأرضية إلى السقف. وكان على رف المدفأة كل شيء قد يخطر على بالك: صف من الغلايين القديمة المصنوعة من أشجار الورد البري، التي جميعها قذرة، وبعض العملات الفضية اليونانية، وبرطمان من التبغ وشعار كليته عليه، ومصباح خزفي صغير أخبرني أنه استخرجه من جبل في صقلية. وأعلى المدفأة، تجد صورا لتماثيل يونانية، بواحدة كبيرة في المنتصف لامرأة ذات أجنحة ودون رأس، يبدو كما لو أنها كانت تحاول اللحاق بحافلة. أتذكر مدى صدمة العجوز بورتيوس عندما رأيت هذه الصورة لأول مرة، وأنا لا أعرف شيئا، وسألته لماذا لم يضعوا للتمثال رأسا.
حينها، أعاد بورتيوس ملء غليونه بالتبغ من البرطمان الموضوع على رف المدفأة، وقال: «تلك المرأة التي لا تطاق بالأعلى اشترت مذياعا. كنت آمل أن أعيش ما تبقى من عمري بعيدا عن أصوات تلك الأشياء. أعتقد أنه لا يمكنني فعل شيء تجاه ذلك، أليس كذلك؟ هل تعرف شيئا عن الوضع القانوني؟»
أخبرته أنه ليس ثمة شيء يمكنه فعله. أحب طريقة طلاب أكسفورد التي يقول بها «لا تطاق»، وأضحكني أن تجد في عام 1938 شخصا يعترض على وجود مذياع في البيت. كان بورتيوس يتجول ذهابا وإيابا بطريقته الحالمة المعتادة، ويداه في جيبي معطفه، وغليونه بين أسنانه، وعلى الفور تقريبا بدأ الحديث عن قانون ضد استخدام الآلات الموسيقية أصدر في أثينا في زمان بريكليس. الأمر دائما هكذا مع العجوز بورتيوس، فكل حديثه عن أشياء حدثت منذ قرون مضت. وأيا ما كان ما بدأت الحديث به، فهو يحول الدفة دائما إلى التماثيل والشعر واليونانيين والرومان؛ فإذا ذكرت الملكة ماري، فسيخبرك عن السفينة الفينيقية الثلاثية المجاديف. إنه لا يقرأ كتابا حديثا أبدا، ويرفض أن يعرف أسماءها، ولا ينظر أبدا في أي صحيفة إلا صحيفة «ذا تايمز»، ويفخر بأن يقول لك إنه لم يذهب قط إلى السينما. وباستثناء قلة من الشعراء مثل كيتس وووردزوورث، يعتقد أن العالم الحديث - ومن وجهة نظره فإن العالم الحديث هو آخر ألفي عام - لم يكن ينبغي أن يظهر.
أنا جزء من العالم الحديث، ولكني أحب أن أستمع إليه وهو يتحدث. سيتجول حول الأرفف، ويسحب كتابا تلو الآخر، وبين الحين والآخر سيقرأ عليك شيئا يتخلله بعض نفخات الدخان، وعادة ما يترجمه لك من اللاتينية أو لغة أخرى وهو يقرؤه عليك. الأجواء برمتها تتسم بالسلام والهدوء. كان كمدرسي المدارس بعض الشيء، ولكنه يلطف لك الأمر بطريقة أو بأخرى. وعندما تستمع إليه، لا تكون في عالمك حيث القطارات وفواتير الغاز وشركات التأمين، بل يصبح كل ما حولك هو المعابد وشجر الزيتون، والطواويس والأفيال، والرجال في الحلبة بشباكهم ورماحهم الثلاثية، والأسود المجنحة والخدم المخصيين، والقوادس والمجانيق، والقادة العسكريين في دروعهم النحاسية يعدون بفرسانهم عبر دروع الجنود. من الطريف أنه يصاحب رجلا مثلي. ولكنها إحدى مزايا الرجل البدين، حيث يمكنك أن تنخرط في أي مجتمع تقريبا. هذا إضافة إلى أننا نتفق في الرأي عندما يكون الحديث عن القصص البذيئة؛ فهي الشيء الحديث الوحيد الذي يهتم به، على الرغم من أنه دائما ما يذكرني بأنها ليست حديثة. ومع ذلك فهو صعب إرضاؤه عندما يتعلق الأمر بها، ودائما ما يخبرك بإحداها بطريقة شديدة التحفظ، فيختار أحيانا شاعرا لاتينيا ويترجم عنه مقطوعة بذيئة، تاركا الكثير لخيالك، أو يلقي لك بتلميحات عن الحياة الخاصة لأباطرة الرومان، والأشياء التي كانت تحدث في معابد عشتار. يبدو أنهم كانوا قوما فاسقين، هؤلاء اليونان والرومان. وكان لدى العجوز بورتيوس صور للوحات جدارية من مكان ما في إيطاليا يقف شعرك إن رأيتها.
عندما أضيق ذرعا بالعمل والمنزل، يريحني كثيرا أن أذهب وأتحدث إلى بورتيوس، ولكن الأمر لم يبد لي كذلك هذه الليلة؛ فقد كان ذهني لا يزال مشغولا بما كان مشغولا به طوال اليوم. وتماما كما فعلت مع محاضر نادي كتاب اليسار، لم أكن أستمع بانتباه إلى ما يقوله بورتيوس، بل كنت فقط أستمع لصوته. ولكن بينما ضايقني صوت المحاضر، لم يكن الأمر كذلك بالنسبة لصوت العجوز بورتيوس؛ بل كان باعثا على السكينة، ويتسم بالرقي الشديد. وأخيرا، عندما كان في منتصف قوله لشيء ما، قاطعته قائلا: «أخبرني يا بورتيوس، ما رأيك في هتلر؟»
كان العجوز بورتيوس يتكئ بجسمه الطويل الهزيل برشاقة، ومرفقاه على رف المدفأة، وإحدى قدميه على سياج المدفأة. وقد اندهش للغاية حتى إنه أخرج غليونه من فمه، وقال: «أتسألني عن هتلر؟ أتقصد هذا الشخص الألماني؟ يا عزيزي، أنا لا أهتم به.» «ولكن المشكلة أنه سيجعلنا نفكر فيه ذلك اللعين قبل أن يموت.»
خجل العجوز بورتيوس قليلا من كلمة «اللعين»، التي لا يحبها، على الرغم من أنه يبدو لك من هيئته أنه لا يصدمه أي شيء. بدأ يمشي ذهابا وإيابا ثانية نافخا دخانه، ثم قال: «لا أرى أي سبب للاهتمام به؛ فما هو إلا مغامر. وهؤلاء الأشخاص يأتون ويذهبون. إنه مجرد أمر عابر.»
Bog aan la aqoon