وصل روبرت إلى المنزل في تلك الليلة قبل أن تحصل السيدة كوين على آخر جرعة من حبات الدواء، وافترضت إنيد أنه أراد بذلك رؤية زوجته قبل أن يبتعد لتلك الفترة عن المنزل؛ فأخبرته بأن يدخل إلى غرفة السيدة كوين مباشرة، ففعل، وأغلق الباب خلفه. التقطت إنيد الصحيفة، وفكرت في الصعود إلى الطابق العلوي لقراءتها، لكنها فكرت في أن الطفلتين ربما لم تناما بعد؛ وستناديان عليها متحججتين بأي عذر. فكرت أيضا في الخروج إلى شرفة المنزل الأمامية، لكنها تذكرت البعوض الذي يملؤها في ذلك الوقت من اليوم، لا سيما بعد الأمطار التي هطلت بعد ظهر ذلك اليوم تحديدا.
خشيت إنيد من سماعها بعض الكلام الخاص بين روبرت وزوجته، أو ربما بداية شجار بينهما؛ ومن ثم سيكون عليها مواجهته عند خروجه من الغرفة. فكانت السيدة كوين تنوي الإفصاح عن مكنون دواخلها. كانت إنيد موقنة من ذلك، وقبل أن تقرر إلى أين ستذهب لقراءة الصحيفة، سمعت بالفعل شيئا مما كان يدور بالداخل. لم يكن تبادلا للاتهامات، أو غزلا (إن كان ذلك ممكنا)، بل ولم يكن نحيبا أيضا، وهي الأشياء التي توقعت حدوثها إلى حد ما، وإنما كانت ضحكة. سمعت إنيد ضحكة واهنة من السيدة كوين؛ ضحكة امتلأت بالسخرية والتشفي كعادتها، لكن ثمة شيئا آخر شاب هذه الضحكة، شيئا لم تسمعه إنيد من قبل قط في حياتها؛ إنها الخسة المتعمدة. لم تتحرك، مع أنه كان ينبغي لها ذلك، وظلت جالسة على المائدة دون حراك، تحدق في باب الغرفة الذي خرج منه روبرت بعد لحظات. لم يتجنب عينيها، أو ربما هي التي لم تتجنب عينيه، فما كان بوسعها ذلك، لكنها مع ذلك لم تكن موقنة من رؤيته لها؛ فقد وقعت عيناه عليها فحسب، ثم غادر. بدا وكأنه قد أمسك بسلك كهربائي، ويطلب الصفح - ممن؟ - لتعرض جسده لهذه الكارثة الحمقاء.
وفي اليوم التالي، دبت الحياة من جديد في جسد السيدة كوين، على نحو مخادع وغير طبيعي سبق لإنيد مشاهدته بضع مرات لدى مرضى آخرين. أرادت السيدة كوين النهوض لتجلس مستندة إلى الوسائد خلفها، وأرادت أيضا تشغيل المروحة.
قالت لها إنيد: «يا لها من فكرة جيدة!»
سألتها السيدة كوين: «ألا أخبرك بشيء سيصعب عليك تصديقه؟»
فأجابتها إنيد: «يخبرني الناس بالكثير من الأمور.» وردت السيدة كوين: «كلها أكاذيب بالتأكيد. أراهنك على ذلك. هل تعرفين أن السيد ويلينس كان موجودا في هذه الغرفة؟» (3) خطأ
جلست السيدة كوين على الكرسي الهزاز ليفحص السيد ويلينس عينيها. اقترب السيد ويلينس منها من الأمام مع تقريبه جهاز الفحص من عينيها، ولم يسمع أي منهما روبرت عند دخوله المنزل؛ لأنه كان من المفترض أن يعمل بتقطيع الخشب بالقرب من النهر، لكنه عاد خلسة من المطبخ دون أن يحدث أي صوت. لا بد أنه قد رأى سيارة السيد ويلينس بالخارج قبل أن يفعل ذلك ، وعند دخوله، فتح باب الغرفة ببطء إلى أن رأى السيد ويلينس راكعا على ركبتيه وممسكا بجهاز الفحص أمام عيني السيدة كوين، بينما أسند يده الأخرى على ساقها ليحافظ على توازنه. كان قد أمسك بساقها ليحفظ توازنه، فارتفعت تنورتها، وبذلك تعرت ساقها. لكن هذا ما حدث، ولم يكن بوسعها فعل أي شيء حياله، فكان عليها التركيز على الحفاظ على ثباتها.
دخل روبرت الغرفة دون أن يسمعه أي منهما، وقفز ليهبط فوق السيد ويلينس على حين غرة. لم يستطع السيد ويلينس النهوض أو الاستدارة، بل سقط قبل أن يدرك شيئا. أخذ روبرت يضرب رأسه في الأرضية إلى أن فقد وعيه، وقفزت السيدة كوين بسرعة شديدة جعلت الكرسي يسقط خلفها، كما سقط أيضا صندوق السيد ويلينس الذي احتفظ فيه بأجهزة فحص العين التي تطايرت منه عند سقوطه. لكمه روبرت بعنف، وربما ضرب رجل المدفأة أثناء ذلك أيضا، لكن السيدة كوين لم تكن متأكدة من ذلك، وفكرت أن الدور سيكون عليها بعد ذلك، لكنها لم تستطع الالتفاف حولهما للهروب من الغرفة، ورأت بعد ذلك أن روبرت لم يكن يسعى وراءها؛ فقد أنهكت قواه، وأعاد الكرسي إلى موضعه، وجلس عليه، فتوجهت هي نحو السيد ويلينس، وأدارت جسده الذي كان ثقيلا للغاية لتجعل وجهه مواجها لها. لم تكن عيناه مفتوحتين، ولم تكونا مغلقتين تماما أيضا، وثمة سائل يخرج من فمه. لم تكن هناك أي جروح في وجهه أو كدمات يمكن رؤيتها، ربما لم تكن قد ظهرت بعد. ما خرج من فمه لم يكن يشبه الدم، وإنما كان سائلا ورديا يشبه تماما الزبد الذي يتصاعد إلى السطح عند غلي الفراولة لصنع المربى. كان ورديا فاتحا. لطخ السائل وجهه من الجانب الذي أسقطه عليه روبرت. وعندما أدارته السيدة كوين، أصدر صوتا كالقرقرة، ثم استلقى دون حراك كالصخرة.
قفز روبرت عن كرسيه فجأة؛ فظل الكرسي يهتز، وشرع في التقاط كل الأشياء التي تناثرت في أرجاء المكان ووضعها في مكانها بصندوق السيد ويلينس، واستغرق وقتا طويلا لوضع كل شيء في مكانه الصحيح؛ إذ كان الصندوق من نوع خاص مبطن بقماش مخملي أحمر اللون، ومقسم إلى أماكن مخصصة لكل أداة من الأدوات التي استخدمها السيد ويلينس؛ ومن ثم، إذا لم يتم وضعها على النحو الصحيح، فما كان يمكن إغلاق الصندوق. وضعها روبرت كلها على نحو سمح بإغلاق غطاء الصندوق، ثم عاد للجلوس على الكرسي، وبدأ يضرب ركبتيه بقوة.
كان على المائدة مفرش عديم الفائدة؛ كان أحد الهدايا التذكارية التي جلبها والدا روبرت معهما من رحلتهما إلى الشمال لرؤية «توائم ديون الخمسة». التقطت السيدة كوين هذا المفرش من على المائدة ولفته حول رأس السيد ويلينس لامتصاص السائل الوردي الذي كان ينزف منه، وليتوقفا كذلك عن النظر إليه.
Bog aan la aqoon