تذكرت إنيد السيد ويلينس وهو يعطيها وردة، كما تذكرت وده معها وخفة ظله، ما جعلها تشعر بألم في أعصاب أسنانها وكأنها تناولت قدرا كبيرا من السكر. «لا أعلم، لا أظن ذلك.» «هل كانت علاقته جيدة بزوجته؟» «كانت علاقتهما طيبة جدا على حد علمي.»
قالت السيدة كوين: «حقا؟» وأضافت: «طيبة» وهي تحاول تقليد لهجة إنيد المتحفظة ببطء. •••
نامت إنيد على الأريكة في غرفة السيدة كوين، التي هدأت عنها الحكة المؤلمة حتى كادت تختفي، وكذا حاجتها للتبول. نامت معظم ساعات الليل، وإن كانت تصاب بنوبات من صعوبة التنفس. وما أرق جفني إنيد مشكلة تتعلق بها شخصيا؛ فقد صارت ترى أحلاما كريهة لم تشبه أيا من الأحلام التي كانت تراها من قبل، كانت تظن في السابق أن الحلم السيئ يكون على شاكلة الوجود في منزل لا تعرفه، حيث تتغير الغرف باستمرار، وتكلف هي فيه دائما بأعمال أكثر مما يمكنها تنفيذه، بالإضافة إلى أعمال غير منجزة ظنت أنها انتهت منها؛ وهكذا يتشتت انتباهها في الحلم بين عدد لا حصر له من المواقف. وبعد ذلك أخذت تراودها، بالطبع، ما ظنته أحلاما رومانسية، حيث يطوقها رجل ما بذراعيه وربما يقبلها أيضا. قد يكون هذا الرجل غريبا أو شخصا تعرفه، وكان أحيانا رجلا من المضحك تصورها معه في هذا الوضع. جعلتها هذه الأحلام كثيرة التأمل، وربما حزينة قليلا، لكنها شعرت بالراحة إلى حد ما لعلمها أن بإمكانها التفكير في هذه المشاعر. قد تكون أحلاما محرجة، لكن لا وجه للمقارنة على الإطلاق بينها وبين الأحلام التي صارت تراودها الآن؛ إذ أصبحت تحلم بإقامتها - أو محاولتها إقامة - علاقات جنسية مع أكثر الأشخاص حرمة واستبعادا (مع الحيلولة أحيانا دون فعل ذلك بسبب المتطفلين أو حدوث تغيرات في الظروف المحيطة)؛ فكانت تحلم بإقامة هذه العلاقات مع أطفال رضع ممتلئي الأجسام يحاولون التملص منها، أو مرضى تلفهم الضمادات، بل وأمها أيضا. سيطرت عليها في تلك الأحلام شهوة جنسية عارمة كادت تفتك بها، وكانت تلبيها بغلظة وأسلوب عملي خبيث؛ فتقول لنفسها: «نعم، هذا سيفي بالغرض، إن لم يتوفر ما هو أفضل.» وقد كان افتقارها إلى العاطفة وحرمانها الواقعي هما ما يدفعان شهوتها الجنسية. كانت تستيقظ من هذه الأحلام غير نادمة، وجسمها مبلل بالعرق ومنهك، وتظل مستلقية كالجثة الهامدة إلى أن تستعيد نفسها وتتملكها مشاعر الخزي والاستنكار. كانت قطرات العرق تبرد على بشرتها، وهي مستلقية في مكانها مرتعدة في الليل الدافئ، وقد سيطرت عليها مشاعر الاشمئزاز والمهانة. وما كانت تجرؤ على العودة للنوم مجددا. اعتادت الظلام، والأشكال المستطيلة الطويلة للنوافذ التي تنسدل عليها الستائر الشفافة لينعكس عليها ضوء خافت، وصرير تنفس المرأة المريضة الذي كان يعلو ويحتد، ثم يكاد يختفي بعد ذلك.
هل كانت هذه الأحلام من الأمور التي يمكنها الإفصاح عنها في طقس الاعتراف، لو أنها كانت كاثوليكية؟ فكرت إنيد في ذلك، ورأت أنها لا يمكنها الإفصاح عن هذه الأحلام حتى في صلاة سرية بينها وبين ربها. لم تعد تصلي كثيرا، فيما عدا المناسبات الرسمية، وفكرة أن تعترف للرب بما تمر به بدت مهينة وعديمة الفائدة تماما؛ فبالتأكيد سيشعر الرب بالإهانة. هي نفسها تشعر بالإهانة مما يدور في عقلها؛ فدينها عقلاني ويفيض أملا، وما من مجال فيه لهذا النوع من الهراء، المتمثل في غزو الشيطان لأحلامها. كانت هذه القذارة التي تراودها موجودة بداخلها، ولا حاجة لتضخيم الأمر وإضفاء الأهمية عليه؛ فلا قيمة له البتة، وما هو إلا قاذورات ذهنية لا أكثر.
في المرج الصغير الممتد بين المنزل وضفة النهر، كانت ثمة أبقار تمكنت إنيد من سماع أصواتها ليلا وهي تتحرك بعضها بجوار بعض وتجتر الطعام. وأخذت تفكر في أشكالها الضخمة الرقيقة وكأنها تتهادى على عزف سيمفوني وسط نباتات الهندباء والحشائش المزهرة. وقالت لنفسها: يا لها من حياة جميلة تعيشها تلك الأبقار!
حياة تنتهي، بالطبع، في المجزر؛ نهاية كارثية.
لكن ذلك ينطبق على الجميع. يتملكنا الشر عند نومنا، وينتظرنا الألم والانحلال، وأهوال وحشية أسوأ مما يمكن لأي عقل تصوره. متع الفراش، وأنفاس الأبقار، وأشكال النجوم في سماء الليل؛ كلها أمور كانت تطرأ على ذهن إنيد في لحظة، وها هي تعيش حياتها مدعية عدم حدوث أي من ذلك، ساعية لتخفيف آلام الآخرين، ومحاولة أن تكون فتاة طيبة أو ملاك رحمة، مثلما اعتادت أمها وصفها - مع تراجع جانب السخرية في هذا الوصف بمرور الوقت - وكذا المرضى والأطباء.
لكن كم عدد من رأوها فتاة حمقاء على الدوام؟ لعل من عملت على خدمتهم أكنوا لها سرا مشاعر الازدراء، مع تفكيرهم في أنهم لن يسلكوا سلوكها أبدا؛ فلن يكونوا بهذا القدر من الحماقة مطلقا.
تذكرت إنيد حينذاك كلمات من كتاب الصلوات: «العصاة الأشقياء»، وتردد صدى الكلمات في رأسها. «يرد الرب التائبين.»
ومن ثم، نهضت وذهبت للعمل؛ فهذه أفضل وسيلة للتوبة نظرا لحالها. أخذت تعمل بهدوء شديد ودون كلل طوال الليل. غسلت الأكواب الزجاجية الغائمة والأطباق المتسخة المحفوظة في الخزائن، بالإضافة إلى تنظيم المكان الذي افتقر لأي نوع من النظام؛ إذ تناثرت فناجين الشاي بين الكاتشاب والمسطردة، ووضعت أوراق المناديل فوق دلو العسل، وخلت الأرفف من أي مشمع؛ أو حتى جرائد. والسكر البني صار صلبا كالحجر في كيسه. كان من المفهوم تدهور الأحوال في المنزل على مدار الشهور القليلة الماضية، لكن يبدو أن المكان لم يشهد أي رعاية أو تنظيم من قبل على الإطلاق؛ هذا فضلا عن تحول الستائر الشفافة إلى اللون الرمادي بسبب ما تراكم عليها من دخان، والأوساخ الزلقة كست زجاج النوافذ، ونما العفن على بواقي المربى التي تركت داخل البرطمان، ولم يتغير قط الماء كريه الرائحة الذي كان يحوي باقة قديمة من الزهور. بالرغم من كل ذلك، كان المنزل لا يزال في حالة جيدة، ويمكن تجديده بالتنظيف والطلاء.
Bog aan la aqoon