لم يكن صوتها حين صرخت ينتمي إلى عالم البشر، ربما لم تفتح فمها على الإطلاق، خشية امتلائه بذرات النفط، ومع ذلك رأت النسوة يتجمعن حولها، ومن فوق رءوسهن البراميل، أدركت أنها تحت المراقبة، ويمكن للآذان أن تسمع صوتها وإن لم يخرج، وعيونهن كانت ترمقها بنوع من الغضب. - أنت امرأة مثلنا؟ لماذا لا تحملين البرميل؟!
أرادت أن تثبت أنها ليست مثلهن، وأنه لا يمكن أن تعيش وتموت مثل حيوان. - عندي هدف آخر! - ماذا يا أختي؟
وتذكرت كل شيء دفعة واحدة، راحت تحكي الحكاية وراء الحكاية، بدأت بخالتها والسيدة زينب والسيدة مريم العذراء، وأنها أرادت أن تكون نبية لتشفي الناس من الأمراض مثل الإلهة سخمت.
رنت كلمة «سخمت» في الجو المعفر بذرات النفط، انقلب حرف التاء إلى الطاء، وما إن سمعت النسوة الاسم حتى ربطن رءوسهن بالمناديل السوداء وبدأن يلطمن خدودهن ويصرخن في نفس واحد. - سخماط!
لم يكن وقوع الأمر على هذا النحو بالأمر الغريب، كان أشبه ما يكون بالعودة إلى الطفولة، وخالتها تربط رأسها بالمنديل الأسود، وتسب كل من يقترب منها، وإذا كانت نساء هذه القرية من نوع خالتها فلا بد أن الطوفان الأسود أمر طبيعي، وامتلأ قلبها باليأس، وعيناها تتحركان وتدوران بحثا عن الفرار.
رأت أمامها امرأة من الجارات، تحمل البرميل فوق رأسها، وجهها يختفي تماما وراء حجاب أسود لا يطل منها إلا نصف عين، فانفجرت فيها مثل بركان. - أنت لست بقرة عمياء تدور في ساقية؟ ينبغي أن يكون من حقك أن تري ما حولك، أليس كذلك؟ أم أنك اقترفت جريمة في الخفاء فلم يعد في مقدورك أن تظهري أمام أهل القرية بوجهك المكشوف؟ - لا أريد أن أكشف وجهي. - أهناك سبب يدعوك لكل هذا التخفي. - ليس هناك أي سبب يدعوني لكشف وجهي. - تستطيعين على الأقل رؤية العالم. - رؤية ماذا؟ - العالم، ألا يكفي أن تري العالم؟ ألم تشعري برغبة في رؤية العالم من حولك؟ - كانت عندي رغبة، ثم سئمت كل شيء. - اسمعي يا أختي! حتى البقرة تنزع الرباط من فوق عينيها والحيوانات في القفص ترفس. - كنت أرفس كثيرا حتى سئمت الرفس أيضا. - غيرت الجارة لهجتها فجأة وقالت برقة: سمعناك تصرخين؟ أكان يضربك؟ - يضربني؟
في صوتها وهي تسأل دهشة، أكان الرجل يضربها برأس الإزميل؟ سيطر عليها الغضب، كانت تريد ألا يعرف أحد، لكن يبدو أن هذه القرية لا يخفى عنها شيء، والرقابة محكمة، أرادت أن تخفي وجهها، ألا تعترف أبدا أنه ضربها، ماذا لو عرف أهل القرية أنها مثل غيرها من النساء؟ سرت القشعريرة في جسدها، كانت بشرتها قد تخربشت من الضرب، والجفاف في حلقها، أرادت أن تترك جسمها يسقط إلى الأرض، لكن من حولها عيون مفتوحة، تنتظر سقوطها، فإن سقطت مرة واحدة فسوف يسهل من بعد أي شيء، من الأفضل أن تعترف، وليس في مقدورها الهرب.
كان الرجل قد عاد، رأته يقترب منها من الخلف، ضغط ركبته اليمنى في ظهرها، ثم حوطها بذراع واحدة، انبعثت رائحة نفط راكد من تحت إبطه، مرر أصابعه المشققة صعودا وهبوطا فوق عمودها الفقري، بقيت مكانها متصلبة، ثم ندت عنها صرخة الألم حين ضغط بقسوة على الفقرة الأخيرة. - أتشعرين بلذة؟ - لا.
ضحك الرجل، وبدا أنه يداعبها، تمهيدا لشيء، وإن كانت حركته مفاجئة، كأنما هي طبيعية، أو ربما أصابعه انزلقت وحدها على نحو بريء.
استدارت لتواجهه، لم تكن ثمة براءة، ولا هي أيضا شهوة الحب، كان يدفعها إلى الركوع، ومن بعد أن تركع يصبح كل شيء ممكنا، رأت أن النوم هو المهرب الوحيد، ربما كانت نائمة فعلا؛ لأن أنفاسها كان لها صوت مرتفع، وساقاها وذراعاها في حالة انتفاض، أكانت غاضبة، ربما، فهذا الرجل يحاول على الدوام أن يفسد عليها النوم، وهو ينجح في ذلك على الدوام حين يشاء، أما هو فيغط في النوم دون أن يقلقه شيء.
Bog aan la aqoon