فقد كانت حبابة تسمى العالية، وهي من مولدات المدينة، وكانت حلوة جميلة الوجه ظريفة، حسنة الغناء طيبة الصوت ضاربة بالعود، واشتراها يزيد بألف دينار قبل أن يرقى عرش الخلافة، وبلغ ذلك سليمان خليفة الأمويين، فهم بالحجر عليه لسفهه وإنفاقه هذا المبلغ الكبير ثمنا للجارية، فردها يزيد إلى مولاها. ثم مات سليمان بعد ذلك وصار يزيد خليفة، وكانت زوجته سعدة تعرف مكانة هذه الجارية في قلبه، وتعلم أنه لا بد طالبها، فاشترتها، فلما حصلت عندها قالت ليزيد: هل بقي عليك من الدنيا شيء لم تنله؟ فقال: نعم العالية. فقالت: هذه هي، وهي لك. فسماها حبابة، وعظم قدر سعدة عنده. وقيل إنها أخذت عليها قبل أن تهبها له، أن توطئ لابنها عنده في ولاية العهد، وتحضرها بما تحب.
وبقيت حبابة أثيرة عند يزيد، فكان كلفا بها يلازمها في طعام وشراب وغناء، وكان رجالات بني أمية يلومونه على استهتاره وتعلقه بهذه الجارية، فيردهم ولا يسمع لهم، وكان هي من ناحية أخرى لا تدرك شيئا من مصالح الأمة أو مصالح الخلافة، فكانت تستخدم جميع الأساليب النسائية في جذبه، وتعلقه بها.
فقد ذكر أن مسلمة أقبل على يزيد يلومه في الإلحاح على الغناء والشرب، وقال له: إنك وليت بعقب عمر بين عبد العزيز وعدله، وقد تشاغلت بهذه الأمة عن النظر في الأمور، والوفود ببابك وأصحاب الظلامات يصيحون، وأنت غافل عنهم. فقال يزيد: صدقت والله، وهم بترك الشرب، ولم يدخل على حبابة أياما، فدست حبابة إلى الأحوص أن يقول أبياتا في ذلك، وقالت له: إن رددته عن رأيه فلك ألف دينار. فألف الأحوص جملة أبيات، ودخل على يزيد وأنشده:
ألا لا تلمه اليوم أن يتلبدا
فقد غلب المحزون أن يتجلدا
بكيت الصبا جهدي، فمن شاء لامني
ومن شاء آسى في البكاء وأسعدا
وإني وإن فندت في طلب الغنى
لأعلم أني لست في الحب أوحدا
إذا أنت لم تعشق، ولم تدر ما الهوى
Bog aan la aqoon