روى بعضهم أنه لما منع جميل من زيارة بثينة ضاقت به الدنيا، فكان يصعد بالليل على ربوة عالية يتنسم منها الريح من نحو حي بثينة ويقول:
أيا ريح الشمال أما تريني
أهيم، إنني بادي النحول
هبي لي نسمة من ريح بثن
ومني بالهبوب إلى جميل
وقولي يا بثينة حسب نفسي
قليلك أو أقل من القليل
فإذا بدا وضح الصبح انصرف وكانت بثينة تقول لجوار من الحي عندها: ويحكن! إني لأسمع أنين جميل من بعض الغزلان. فيقلن لها: اتقي الله، فهذا شيء يخيله لك الشيطان لا حقيقة له.
وقد كان يتنكر أحيانا ويتخذ من اللباس ما يخفي به حقيقة شخصه، ثم يزورها ويجلس مع سائر الضيوف، فلا يعرف أحد أمره سواها؛ فمن ذلك ما رواه بعضهم أن جميلا جاء إلى بثينة ليلة، وقد أخذ ثياب راع لبعض الحي، فوجد عندها ضيفانا لها، فانتبذ ناحية، فسألته: من أنت؟ فقال: مسكين. فجلس وحده. وعشت ضيفانها، وعشته وحده. ثم جلست هي وجارية لها على صلاتهما واضطجع القوم منتحين، فقال جميل: هل البائس المقرور دان فمصطل من النار، أو معطى لحافا فلابس؟
فقالت لجاريتها: صوت جميل والله، اذهبي فانظري. فرجعت إليها وقالت: هو والله جميل. فشهقت شهقة سمعها القوم فأقبلوا يجرون، وقالوا: ما لك؟ فطرحت بردا لها من حيرة في النار وقالت: احترق بردي. فرجع القوم. وأرسلت جاريتها إلى جميل فجاءتها به. فحبسته عندها ثلاث ليال. ثم سلم عليها وخرج.
Bog aan la aqoon