وهكذا راحت «سيكي» تلوم نفسها وتبكي بكاء مرا، وتندب حظها العاثر. وهامت على وجهها تبحث عن حبيبها في كل مكان وقد برح بها الهوى، وأضناها الجوى، وألم بها اليأس، وغزا قلبها القنوط.
وأخيرا انتهى ب «سيكي» المطاف إلى قصر «فينوس» غريمتها الخفية، فرقص قلب هذه طربا إذ أسلمت لها نفسها ذليلة حقيرة معذبة، فاحتجزتها عندها وسخرتها في أعمال يئن من عبئها الشجعان، ويكل من القيام بها أقوى الفرسان. ولولا معونة «كيوبيد» السرية، لأودى الجهد والتعب بحياة «سيكي» الغالية.
إذن لقد دفعت «سيكي» ثمن فضولها فراقا مفعما بشتى ألوان العذاب المرير، كلفها هناءتها وسعادتها، فلم تتحمل المسكينة هول الصدمة طويلا، وضاقت ذرعا بالحياة وقد خلت من عشيقها الجميل؛ فلازمتها الأفكار المظلمة والهواجس السوداء، وحاولت الانتحار مرارا.
برئ «كيوبيد» من جرحه، فعاد الشوق إلى محبوبته يسري بين جنباته، وشعر بحنين جارف إلى لقائها، فلم يدخر جهدا في البحث عنها بدوره إلى أن عثر عليها آخر الأمر فاقدة الحركة والوعي في الطريق، وبالقرب منها صندوق مفتوح اتضح فيما بعد أن «فينوس» كانت تضع فيه النوم، وطلبت من «سيكي» التعسة أن تحمله إلى إحدى صديقاتها، فدفعها فضولها إلى فتح الصندوق لمعرفة ما بداخله، فخيم عليها سلطان النوم وهي في الطريق.
لم يفطن «كيوبيد» إلى حقيقة الأمر بادئ ذي بدء، وظن أن روح «سيكي» قد صعدت إلى باريها، فعز عليه أن يلقى حبيبته جثة هامدة وصعيدا جرزا، فجثا بالقرب منها يناجيها مناجاة حارة، تأخذ بمجامع الأفئدة وتقطع نياط القلوب وتفتت الأكباد، قائلا: أي «سيكي»! «سيكي»! ماذا حدث يا حبيبة القلب؟ وما دهاك يا نور عيني؟ أين ظلك لأتوارى تحت جناحيه من عسف الفراق الذي ألم بي وبرح بجسمي؟ لقد وهبت نفسك وضحيت بها فداء لشخصي، فكنت خير مثال للنبل وكرم السجايا وحميد الخصال.
إيه يا نقاء قلبي وشمس يومي، ما لي أراك اليوم تسطرين صفحة التضحية بذلك المداد السرمدي؛ مداد قلبك الذي لا يزول ولن يزول.
إلهي! أهكذا يحكم علي بالوحدة بعيدا عن «سيكي»؟ أهكذا يقسو علي الدهر ويعمل على عنادي؟
إلهي! أي ذنب جنيت، وأي جرم اقترفت حتى أعاقب هذا العقاب الصارم؟ فتحول بيني وبين من سعدت بجيرتها، وأمنت بقربها، وتمتعت برؤية جمالها.
أي «سيكي»! لقد مت فماتت معك آمالي وأحلامي، وستقبرين فتقبرين قلبي وحياتي.
تواريت عن هذه الحياة، فانزوت أفراحي، وانهمرت دموعي مدرارا، وازورت ابتساماتي.
Bog aan la aqoon